لِيَوْم القِيَامَة، وهذه الرَّحْمَة التي أَنْزَلَهَا
في الأَرْض تتراحم المَخْلُوقَات من آثَارهَا، حَتَّى إن «الدَّابَّةَ» أي: البَهِيمَة التي ليس عِنْدَهَا عَقْلٌ «تَرْفَعُ حَافِرَهَا عن وَلَدِهَا خَشْيَةَ
أن تُصِيبَه» فهي رَحْمَةٌ طَيِّبَةٌ جَعَلَهَا الله فِيهَا، وهي من آثَار هذه
الرَّحْمَةِ التي أَنْزَلَهَا الله تتراحم بها الخَلاَئِق فِيْمَا بَيْنَهُم، فإذا
كانت هذه آثَار رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَكَيْف بِبَقِيَّة الرَّحْمَة التي عِنْدَه
سبحانه وتعالى !
وفي يوم القِيَامَة تَنْضَمُّ هذه الرَّحْمَة إلى ما
عِنْدَه من الرَّحْمَة التي ادَّخرها سبحانه وتعالى لِتَكُون مِائَة رَحْمَةٍ
يَرْحَم بها من يَسْتَحِقُّ الرَّحْمة من عِبَادِه الَّذِين فَعَلُوا الأَسْبَاب
المُوجِبَةَ لَهَا في هذه الدُّنْيَا، فَتَابُوا وَاسْتَغْفَرُوا وَأَنَابُوا
وَرَجَعُوا إلى الله وَأَصْلَحُوا أَعْمَالَهَم.
فَهَذَا الحَدِيثُ فيه وَصْف الله جل وعلا بِالرَّحْمَة، وأنَّها رَحْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَأَنَّ الله تعالى يَرْحَم في الدُّنْيَا وَلَكِنَّ رَحْمَتَه في الآخِرَة أَعْظَمُ، فَمَن لم تسِعْه رَحْمَة الله، فإنَّه خَاسِر لا خَيْر فيه، والله جل وعلا يَرْحَم من عِبَادِه الرُّحَماءَ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَْرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» ([1])، وقال: «مَثَلُ المُؤْمِنِين في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَه ُسَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» ([2]) فإذا تَرَاحَمُوا رَحِمَهُم الله، فَمِن مُقْتَضَى هذا الحَدِيثِ ذَكَر أنَّ أَسْبَاب رَحْمَة الله تعالى إنَّما تَنْشَأ من تراحُم العِبَاد فِيْمَا بَيْنَهُم.
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4914)، والترمذي رقم (1942)، وأحمد رقم (6494).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد