وَفِيْه: دَلِيلٌ على فَضْلِهِم
وَعِبَادَتِهِم لِلَّه سبحانه وتعالى، فهم عَالَمٌ شَرِيفٌ جَلِيلٌ من عَالَم
الغَيْب الذي خَلَقَه الله عز وجل، لا يَعْلَمُهُم إلاَّ اللهُ سبحانه وتعالى.
وأمَّا قوله في آخَر الحَدِيث: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ
كَثِيرًا»؛ في «الصَّحِيحَيْن»
أي: هو مُتَّفَق عَلَيْه رَوَاه البُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ، وأمّا أَوَّلُه فهو في
السُّنن و«المُسْنَدِ» عند أَحْمَد.
وقولُه: «وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى
الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى» هذا فيه ذكر شِدَّة الخَوْف
من أَهْوَال يوم القِيَامَة وما فِيهَا من أَخْطَارٍ عَظِيمَةٍ، والله جل وعلا
ذَكَر هذا في القُرْآن فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ
ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ ١يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ
أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا
هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ ٢﴾
[الحَجّ: 1، 2].
وَنَحْن لا نَعْلَم من أَهْوَال يوم القِيَامَة مثل الذي يَعْلَمُه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى أَطْلعه على أُمُور الآخِرَة ما لم نَطَّلِع عَلَيْه؛ رَحْمَةً بِنَا، ولأنه لو أَطْلَعَنَا على هذه الأَشْيَاء لِحَدَث بِنَا ما ذَكَرَه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِه: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى»، وقوله: «تَجْأَرُونَ»، يعني: تَرْفَعُون أَصْوَاتَكُم بِالبُكَاء وَالتَّضَرُّعِ من شِدَّة الخَوْف، فَالأَمْر شَدِيدٌ، والخَطْب هَائِلٌ، فَيَجِب على المُسْلِم أن يكون مُستعدًّا لِهَذِه المَوَاقِف وَالأَخْطَارِ التي هو قَادِمٌ عَلَيْهَا.