×
شرح أصول الإيمان

وفي روايةٍ عَنْه: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الآْيَةِ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ: ﴿وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ [الزُّمَر:67]، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هَكَذَا «بِيَدِهِ وَيُحَرِّكُهَا يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ»: «يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْعَزِيزُ، أَنَا الْكَرِيمُ» فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرُ حَتَّى قُلْنَا: لَيَخِرَّنَّ بِهِ ([1]).

****

لَقَد بيَّن الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لِلصَّحَابَةِ رِضْوَان اللهِ عَلَيْهِم هذه الآْيَة وفسَّرها على الْمِنْبَر، فَأَخْبَرَهُم أن اللهَ سبحانه وتعالى يَقْبِضُ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضِ بِيَدَيْه، ثم يقول: أَنَا الْمَلك، أَيْن مُلُوك الدُّنْيَا؟ أَيْن الْجَبَّارُون؟ أَيْن الْمُتَكَبِّرُون؛ ثم إنَّه جل وعلا يُعَظِّم نَفْسَه بِأَسْمَائِه وَصِفَاتِه، كما ذكر ذلك النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَِصْحَابِه رضي الله عنهم، حَتَّى إنَّ الْمِنْبَر وهو جَمَادٌ قد اهْتَزّ من هَيْبَةِ اللهِ وَجَلاَلِه وَعَظَمَتِه، وهذا يعني أنَّ الإِْدْرَاكَ مَوْجُودٌ في الْجَمَادَات، فهي تَعْرِفُ رَبَّهَا، كما قال سُبْحَانَه: ﴿وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا [الإسراء: 44]، فَكُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ تُسَبِّحُ اللهَ بِلُغَتِهَا التي لا يَعْلَمُهَا إلاَّ اللهُ سبحانه وتعالى. وهذا الْمِنْبَرُ قد اهْتَزّ من هَيْبَةِ اللهِ وَعَظَمَتِه جل وعلا.

وَقَد كان صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ في أَوَّلِ الأَمْرِ على جِذْعِ نَخْلَة، فَيَضَع يَدَه عليها صلى الله عليه وسلم وَيَخْطُب، ثم لمَّا صُنع له الْمِنْبَرُ تَرَك الْجِذْعَ وَصَعَد على الْمِنْبَرِ وصار يَخْطُب النَّاس، وَلَكِنَّ الْجِذْعَ حَنَّ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وبكى كما


الشرح

([1])أخرجه: أحمد رقم (5414)، وابن حبان رقم (7327)، وابن أبي عاصم في «السنة» رقم (546).