قد
شَاهد الصَّحَابَةُ رِضْوَان اللهِ عَلَيْهِم شِدَّة التَّأَثُّر في وَجْهِه صلى
الله عليه وسلم، لمَا قال هذا الأَْعْرَابِيُّ، وبالتالي عُرِف ذلك في وُجُوه
الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم.
ثُمّ بيَّن صلى الله عليه وسلم لِلأَْعْرَابِيّ بعدما
أَنْكَرَ عَلَيْه وبعدما نَزَّه اللهَ جل وعلا عن هذا التنقصِ وَعَلَّمَه
بِقَوْلِه: «وَيْحَكَ! أَتَدْرِي مَا
اللهُ؟» ثم بيَّن له صلى الله عليه وسلم عَظَمَةَ اللهِ جل وعلا وَأَن هذه
الْمَخْلُوقَاتِ الْعَظِيمَةِ الْهَائِلَة من السَّمَوَات وَالأَْرْض كُلُّهَا
تَحْت الْعَرْش، وَالْعَرْشُ هو أَعْظَمُهَا وَأَكْبَرُهَا، واللهُ جل وعلا فَوْق
عَرْشِه، وهذا الْعَرْشُ الْعَظِيمُ الذي هو أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ له
تَأْثِيرٌ من اسْتِوَاءِ اللهِ عَلَيْه، حَتَّى إن له أطيطًا، يعني: له صَوْت؛
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّهُ
لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ» وهذا دَلِيلٌ على عَظَمَتِه
سبحانه وتعالى، فهذا الْعَرْشُ الْعَظِيمُ الذي فَوْقَ السَّمَوَاتِ وَمُحِيط بها
وَشَامِلٌ لَهَا كُلْهَا، وَالْكُرْسِيُّ قد وسِع السَّمَوَات وَالأَْرْض،
وَالْكُرْسِيّ في الْعَرْش كَحَلْقَة في أَرْض فَلاَة.
وهذا دَلِيلٌ على عَظَمَةِ هذا الْعَرْش، واللهُ جل وعلا
أَعْظَمُ من ذلك، فَالْعَرْشُ مع عَظَمَتِه وَسَعَتِه يَحْصُل له هذا التَّأَثُّر
الذي عَبَّر عَنْه صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِه: «وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ» من
اسْتِوَاءِ اللهِ عَلَيْه، فَكَيْف مَن هذا شَأْنِه، وهذه عَظَمَتُه سبحانه وتعالى
يُستشفَع به على مَخْلُوق من خَلْقِه؟! ولهذا قال صلى الله عليه وسلم
لِلأَْعْرَابِيّ: «أَتَدْرِي مَا اللهُ؟»
أي: هل تَعْرِفُ شَأْنَ اللهِ وَتَعْرِف معنى ما قلتَه بِحَقِّ اللهِ سبحانه
وتعالى، وَكَيْف أَنَّك أَسَأْت بِحَقِّه وَتَنَقَّصْتَه؟!
وأمَّا قولُه: «فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ» هذا فيه التَّسْبِيحُ عند إنْكَارِ الْمُنْكَر، وكذا التَّكْبِيرُ عند رُؤْيَةِ أو سَمَاعِ شَيْءٍ مُنْكَر، وكذلك عندَ رُؤْيَةِ شَيْءٍ يَعْجَب به، فإنَّه يُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ اللهَ جل وعلا.