رَتَّب تَفْسِيرُه لِلْيُسْرَى على الْعَمَل أي:
على عَمَل الْعَبْد ﴿وَأَمَّا
مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ ٨وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ٩فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ
١٠﴾ [اللَّيْل: 8 - 10] هي
النَّارُ فرتَّب تيسيرَه للعسر على عَمَل الْعَبْد، وليس بِسَبَبِ الْقَضَاءِ
وَالْقَدَر.
فَإِذَا ما كان الْجُوعُ الذي يَشْعُرُ به الإِْنْسَانُ
يتطلَّبُ الْبَحْثَ عن الطَّعَامِ وَالرِّزْق، وكذا دَفَعُ الظُّلْمِ يَحْتَاجُ
إلى عَمَلِ وَردة فعل وَطلَبَ الْقِصَاص مِمَّن ظَلْم، فَكَيْف يُقَال: إن
الْجَنَّة والنار لا تَحْتَاجَان إلى عَمَل، أو إن الْمَصِير إليهما لا يَتَرَتَّب
على الْعَمَلِ الذي يَقُومُ به الْعَبْد.
وَالْحَقُّ أنَّه لا بدَّ من السَّعْي وَالْعَمَلِ
سَوَاء في أُمُورِ الآْخِرَة أو في أُمُورِ الدُّنْيَا، فإذا كان الإِْنْسَانُ في
أُمُورِه الدُّنْيَا لا يَتَّكِلُ على الْقَضَاءِ وَالْقَدَر فَأُمُورُ الآْخِرَةِ
من بابِ أَوْلَى، فليس معنى الإِْيمَان بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ تَرَكُ الْعَمَل؛
لأنَّ هذا لا يكونُ إلاَّ من الْقَدَرِيَّةِ الَّذِين يَحْتَجُّون بِالْقَضَاءِ
وَالْقَدَرِ على تَرَكِ الْفَرَائِض، وهؤلاء مَحْجُوجُون، كَوْنَهُم لا
يَحْتَجُّون بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ في مَصَالِحِهِم الدُّنْيَوِيَّة.
وَفَائِدَةُ الإِْيمَانِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ: مَعْنَاه الصَّبْر على الْمَصَائِبِ وَعدم الْجَزَع؛ ولهذا قال تعالى: ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ﴾ [الحديد: 22]؛ وَالْحِكْمَةُ في ذلك متمثلةٌ في قولِه تعالى: ﴿لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ﴾ [الحديد: 23] هذه هي الْحِكْمَةُ في ذلك، وهي أنَّ اللهَ أَخْبَرَنَا بأنَّ كلَّ ما يَحْدُثُ من مَصَائِبٍ إنَّما هو في كُتَّابٍ في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظ؛ لأَِجْل أَلاَ يَجْزَعَ الإِْنْسَانُ بل يَصْبِرُ وَيَحْتَسِب، هذه هي حِكْمَةُ