الْعِبَادِ وَنَفَوْا الْقَضَاءَ وَالْقَدَر؛
ولذلك يُسَمُّون بِالْقَدَرِيَّة؛ لأَنَّهُم نَفَوْا الْقَدْر؛ فهؤلاء لا
يُؤْمِنُون بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَر، وهم بذلك جَحَدُوا الرُّكْنَ السَّادِسَ من
أَرْكَانِ الإسلام.
وأمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَة:
فقد تَوَسَّطُوا -كَعَادَتِهِم أَنَّهُم وَسَطٌ في جَمِيعِ الأُْمُور- بين
الإِْفْرَاطِ وَالتَّفْرِيط، وبين الْغُلُوِّ وَالْجَفَاء، فقد أَثْبَتُوا الْقَضَاءَ
وَالْقَدَرَ وَأَثْبَتُوا أَفْعَالَ الْعِبَاد، ولا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا، فاللهُ
جل وعلا قضَى وَقَدَّر، وَالْعَبْدُ يَفْعَلُ بِاخْتِيَارِه وَإِرَادَتِه، ولكنه
لا يَخْرُجُ على قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِه، وهذا هو مُوجِبُ الْكِتَابِ وَالسَّنَة،
وهو الْمَذْهَبُ الْوَسَط وَالْعَدْل المتمشِّي مع الأَْدِلَّة. هذا حَاصِلُ
الْخِلاَفِ في مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَر.
وقولُه تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ
سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ﴾
[الأنبياء: 101] يعني: في الْقَضَاءِ وَالْقَدَر؛ حيث إنَّ اللهَ قدَّر لهم الْجَنَّةَ
وَالنَّجَاةَ من النَّار ﴿أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ﴾ [الأنبياء: 101] أي: عن النَّار ﴿مُبۡعَدُونَ﴾ [الأنبياء: 101] ثم قال: ﴿لَا يَسۡمَعُونَ حَسِيسَهَاۖ وَهُمۡ فِي مَا ٱشۡتَهَتۡ
أَنفُسُهُمۡ خَٰلِدُونَ ١٠٢لَا يَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ
ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ هَٰذَا يَوۡمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ ١٠٣﴾ [الأَْنْبِيَاء: 102، 103] هذا فيه إثْبَاتُ الْقَضَاءِ
وَالْقَدَر. فَمَعْنَى قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ﴾ [الأنبياء: 101] أي: قَدَّرْنَا لهم ذلك، فهم عَمِلُوا
ما يُسَبِّبُ لهم دُخُولَ الْجَنَّةِ، فَأَبْعَدُهُم اللهُ من النَّار.
وَسَبَبُ نُزُولِ الآْيَةِ أن اللهَ جل وعلا لمَّا قال: ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا
تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ ٩٨لَوۡ
كَانَ هَٰٓؤُلَآءِ ءَالِهَةٗ مَّا وَرَدُوهَاۖ وَكُلّٞ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٩٩﴾ [الأنبياء: 98، 99] لمَّا سَمِع الْمُشْرِكُون هذه
الآْيَة قالوا: نَحْن نَعْبُد أناسًا صَالِحِين، فإذا كانوا مَعَنَا في النَّار
فَإِن