وقولُه: «فَيَكْتُبُ: رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ»
مع نَفَخ الرُّوحِ فيه يُكْتَبُ ما يَجْرِي عَلَيْه من الْكِتَابَةِ الْخَاصَّةِ
بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ فَرَدٍ من بَنِي آدَم، وأمَّا الذي في اللَّوْحِ
الْمَحْفُوظ فهي كتابةٌ عَامَّةٌ لِلْجَمِيع فلا تعارُضَ بين الْكِتَابَتَيْن،
فَالْكِتَابَةُ الْعَامَّةُ سَابِقَةٌ لِخَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْض،
وَالْكِتَابَةُ الْخَاصَّةُ تَتَكَرَّرُ بِإِذْن اللهِ إلى آخَرِ الْخَلِيقَةِ مع
كلِّ مَوْلُود.
وقولُه: «ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحَ» كقوله تعالى: ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦۖ﴾
[السَّجْدَة: 9]؛ أي: من رُوحِ اللهِ عز وجل الْمَخْلُوقَةِ فَالرُّوحُ
مَخْلُوقَة، وَإِضَافَتُهَا إلى اللهِ إضَافَةُ مَخْلُوقٍ إلى خَالِقِه، فهي ليست
من صِفَاتِ اللهِ عز وجل، وإنَّما معنى قولِه: ﴿مِن رُّوحِهِۦۖ﴾
[السجدة: 9] أي: الرُّوح الْمَخْلُوقَة له سبحانه وتعالى.
وقولُه: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا
يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ
فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا» إذا قُدِّر أنَّه من
أَهْلِ النَّارِ فَلاَبُّد وَأَن يَعْمَل بِعَمَلِ أَهْلِ النَّار، إمَّا في كلِّ
عُمْرِه، يكونُ من أَهْلِ الْمَعَاصِي وَأَهَلِ الْكُفْر وَيَمُوت على هَذَا، وإما
بأنَّ يَعْمَل بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثم يَخْتِم له بِعَمَلِ أَهْلِ النَّار،
فَتَسُوءُ خَاتِمَتُه فَيَدْخُلِ النَّار، أو الْعَكْس يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ
النَّارِ طول عُمْرِه، ثم يُخْتَم له بِعَمَلٍ صَالِحٍ فَيَكُون من أَهْلِ
الْجَنَّة، وَالأَْعْمَالُ بِالْخَوَاتِيم.
·
وفي هذا
مَسْأَلَتَان:
الْمَسْأَلَة الأُوْلَى: أنَّه لا
بدَّ من الْعَمَل.
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: أن الأَْعْمَالَ بِالْخَوَاتِيم، ولذلك لا يَنْبَغِي أن يُشْهَدَ لأَِحَدٍ بِجَنَّة أو نَار، لأَنَّه لا يُدْرَى ما يُخْتَم له؛ لأَنَّه في عِلْم اللهِ جل وعلا.