وقولُه تَعَالَى: ﴿وَلَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ
ٱلۡمُقَرَّبُونَۚ﴾ [النساء: 172]
هذا هو مَحَلُّ الشَّاهِد؛ فَالْمَلاَئِكَةُ لا يَسْتَكْبِرُون أن يَكُونُوا عبيدًا
لِلَّه جل وعلا، بل هُم مُعْتَرِفُون بِالْعُبُودِيَّةِ ولهذا فهم كما وَصَفَهم
اللهُ بِقَوْلِه: ﴿يُسَبِّحُونَ
ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ﴾
[الأنبياء: 20]، وَقَوْله: ﴿ٱلۡمُقَرَّبُونَۚ﴾
[النساء: 172] فيه دَلِيلٌ على أنَّ هناك صنفًا من الْمَلاَئِكَة مُقَرَّبُون عند
اللهِ سبحانه وتعالى، فَالْمَلاَئِكَةُ دَرَجَات، فَمِنْهُم الْمُقَرَّبُون عندَ
اللهِ جل وعلا، وَلَكِن مع كَوْنَهُم مقربين عند الله إلاَّ أَنَّهُم لا يَسْتَنْكِفُون
أن يَكُونُوا عبادًا لِلَّه سبحانه وتعالى.
وقولُه تَعَالَى: ﴿وَلَهُۥ مَن فِي
ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ
وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ ١٩يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ ٢٠﴾ [الأنبياء: 19- 20]، وهذا أيضًا في وَصَفِ
الْمَلاَئِكَةِ عَلَيْهِم الصَّلاَة وَالسَّلاَم؛ يقول الله جل وعلا:﴿وَلَهُۥ﴾ أَي: لِلَّه سبحانه وتعالى ﴿مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾ كلُّهم عَبِيدُه، الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِر، وَالْجِنُّ
وَالإِْنْس، كلُّهم عبيدٌ لِلَّه، قال تَعَالَى: ﴿إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّآ
ءَاتِي ٱلرَّحۡمَٰنِ عَبۡدٗا﴾
[مريم: 93] لَكِن الْكَافِر عَبْد لِلَّه الْعُبُودِيَّة الْعَامَّة، وأمَّا
الْمُؤْمِنُ فهو عَبْدٌ لِلَّهِ الْعُبُودِيَّة الْخَاصَّة، وَإِلاّ فَكُلُّهُم
عِبَادٌ لِلَّهِ عز وجل.
وقولُه تَعَالَى:﴿وَمَنۡ عِندَهُۥ﴾ أَي: الْمَلاَئِكَة، وَقَوْله: ﴿لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ﴾ [الأنبياء: 19]، أَي: لا يَسْتَنْكِفُون ولا يَسْأَمُون
﴿وَلَهُۥ مَن
فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ
عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ ١٩يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا
يَفۡتُرُونَ ٢٠﴾ [الأنبياء: 19- 20]، ولهذا
قال تَعَالَى: ﴿وَمَن
يَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّيٓ إِلَٰهٞ مِّن دُونِهِۦ فَذَٰلِكَ نَجۡزِيهِ جَهَنَّمَۚ
كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّٰلِمِينَ﴾
[الأنبياء: 29] فَالْمَلاَئِكَةُ لا يدَّعون الأُْلُوهِيَّة، ولو قُدِّرَ أَنَّهُم
ادَّعَوا الأُْلُوهِيَّةَ لأحرقَهُم اللهُ في النَّار؛ لأنَّ الْعُبُودِيَّةَ
حَقٌّ له سبحانه وتعالى دونَ سِوَاه.