×
شرح أصول الإيمان

وخِلْقةُ الْمَلَكِ الْوَاحِد عَظِيمَةٌ ليست كخِلْقةِ بَنِي آدَم؛ ولذلك لا يَأْتُون إلى الْبَشَرِ في خِلْقَتِهِم الأَْصْلِيَّةِ المَلَكيةِ وإنَّما يَأْتُون إلى الْبَشَرِ بِصُورَةِ الْبَشَر؛ لِئَلاَّ يَنْفِرُوا منهم؛ لأنَّ الْبَشَرَ لا يُطيقون رُؤْيَةَ الْمَلَك على هَيْئَتِه الْمَلَكِيَّة؛ ولذلك يَأْتُون بِصُورَةِ آدمي.

كَمَا كان جِبْرِيلُ يَأْتِي إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في صُورَةِ رَجُلٍ من الصَّحَابَةِ وهو دِحْيَةُ الْكَلْبِي فيتخاطبُ مع الرَّسُولِ بِمَا أَرْسَلَه اللهُ بِه.

وَلَمّ يَرَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم جبريلَ على خِلقتِه إلاَّ مَرَّتَيْن: مَرَّة رَآه بين السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ له سِتُّمِائَة جُنَاح كلُّ جُنَاحٍ منها سدَّ الأُفق، وَمُرَّة ثَانِيَة رَآه لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ عند سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ([1])، قال تَعَالَى: ﴿وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ ١٣عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ ١٤ [النجم: 13- 14]، لمَّا عُرِج به صلى الله عليه وسلم إلى السَّمَاء، وأمَّا بَقِيَّةُ مَجِيءِ جِبْرِيلِ إلى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فإنَّه كان يَأْتِيه على صُورَةِ آدميّ.

والمَلَكُ الْوَاحِدُ أَعْطَاه اللهُ جل وعلا قُوَّةً كَبِيرَة، ومنهم جِبْرِيلُ عليه السلام، الذي قال جل وعلا عَنْه: ﴿عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ [النجم: 5] يَعْنِي: جِبْرِيل ﴿ذُو مِرَّةٖ [النجم: 6] قَيْل: المِرَّة: الْهَيْئَة الْحَسَنَة. وَقِيل: المِرَّة: الْقُوَّة.

فَجِبْرِيلُ عليه السلام قَوِيّ، ومما يَدُلُّ على قوَّتِه: أن اللهَ لمَّا أَمْرَه بِقَلْبِ قُرى قَوْمِ لُوط رَفَع سَبْعَ مَدَائِنَ مَمْلُوءَةً بِالْخَلْقِ وَالْمَبَانِي جميعًا على طَرْفِ جَنَاحِه حَتَّى سَمِعَت الْمَلاَئِكَةُ في السَّمَاءِ نُباحَ كِلاَبِهم وَصِيَاحَ دِيَكتِهم ثم قَلَبها عَلَيْهِم، فَخَسف اللهُ بِهِم، وهذا ما يَدُلُّ على قوّةِ جِبْرِيلَ عليه السلام.


الشرح

([1])  انظر: البخاري رقم (3232)، ومسلم رقم (174).