×
شرح أصول الإيمان

وَلَمًّا صَاح بِقَبِيلَةِ ثَمُود صَيْحَةً وَاحِدَةً صَاعِقَةً قَطَعْت قُلُوبَهم في أَجْوَافِهم وماتوا عن آخِرِهم؛ قال تَعَالَى: ﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلۡمُحۡتَظِرِ [القمر: 31]، صِحِّيَّة وَاحِدَة من جِبْرِيلَ عليه السلام أَهْلَكَتْ أَمَةً عَظِيمَة، وهذا أيضًا ما يدلُّ على قُوتِه عليه السلام.

قَولُه تَعَالَى: ﴿لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ [البقرة: 177] الآْيَة، سَبَب نُزُول هذه الآْيَة: أنَّ الْيَهُودَ اعْتَرَضُوا على تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ من بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلى الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ وهم يَعْلَمُون أنَّه حقٌّ وَيَجِدُون هذا في كُتُبَهُم التي فِيهَا وَصْفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ بِحَيْث لو أنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم بَقِي على اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لاَعْتَرَضُوا أيضًا بحجَّةِ أنَّ الرَّسُولَ الْمَوْصُوفَ عِنْدَهُم في كُتُبِهم يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ وَلَقَالُوا: إنَّك تَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِس، فهم سيُعرِضون على كلاَ الْحَالَتَيْن؛ ولهذا قال تَعَالَى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيۡكُمۡ حُجَّةٌ [البقرة: 150]؛ يَعْنِي: حولناكم إلى الْكَعْبَة؛ لِئَلاَّ يكونَ لِلْيَهُودِ عَلَيْكُم حُجَّة؛ لأَنَّهُم يَعْلَمُون أنَّ الرَّسُولَ الذي سَيبعَثُ سيستقبلُ الْكَعْبَةَ الْمُشَرَّفَة، فلو بَقِي محمدٌ صلى الله عليه وسلم يَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لَقَالُوا: ليس هذا الرَّسُولَ الْمَوْعُود، فَلَمَّا حُوِّلت الْقِبْلَةُ إلى الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَة، قِبْلَةُ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام اعْتَرَضُوا، فاللهُ جل وعلا يَقُوْل: ليست الطَّاعَةُ أن تَسْتَقْبِلَ الْمَشْرِقَ أو الْمَغْرِبَ وَلَكِنَّ الطَّاعَةَ أن تَسْتَقْبِلَ الْجِهَةَ التي آمرُكُم بها، فَالْمَدَارُ على الأَمْرِ لا على الْجِهَة.

فَقَوْلُه تَعَالَى: ﴿وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ [البقرة: 177] يَعْنِي: أنَّه من الإِْيمَانِ بِاَللَّه اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ التي يَأْمُرُ اللهُ جل وعلا بها.


الشرح