وَقَد ذكر اللهُ جل وعلا في قَولِه: ﴿مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ
وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۧنَ﴾
[البقرة: 177] ذكر في هذه الآْيَةِ خَمْسَةَ أَرْكَانٍ من أَرْكَانِ الإِْيمَانِ
السِّتَّة، وَالشَّاهِد في ذلك هو قولُه تَعَالَى:﴿وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ﴾
فَجَعَلَ الإِْيمَانَ بِالْمَلاَئِكَةِ من أَرْكَانِ الإِْيمَانِ السِّتَّة، فَمَن
لم يُؤْمِنْ بِالْمَلاَئِكَةِ فقد افتقدَ ركنًا من أَرْكَانِ الإِْيمَانِ ولا
يكونُ مسلمًا.
وقوله تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ
قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ﴾ [فُصِّلَت: 30]، هذا خبرٌ من الله جل وعلا، فَقَوْلُه: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا
ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ﴾ [فُصِّلَت: 30] يَعْنِي: أَعْلِنُوا تَوْحِيدَ
الأُْلُوهِيَّةِ ولا إلَه إلاَّ اللَّه؛ لا مَعْبُودَ عِنْدَهُم بِحَقٍّ إلاَّ
الله سبحانه وتعالى، فنطقوا بالحقِّ، وهي شَهَادَةُ أن لا إلَهَ إلاَّ اللَّه،
وليس الْمُرَادُ النُّطْقَ بِالْحُرُوف فَحَسْب، وَلَكِنِ النُّطقَ
بِالأَْلْسِنَةِ وَالاِعْتِقَادِ بِالْقُلُوب وَالْعَمَلِ بِالْجَوَارِح،
فَشَهَادَةُ أن لا إلَهَ إلاَّ اللهُ لا بدَّ من التلفُّظِ بها وَمَعْرِفَةِ
مَعْنَاهَا وَالْعَمَل بِمُقْتَضَاهَا، فَلا بدَّ من هذه الأُْمُورِ مُجْتَمِعَة،
أمَّا قَوْل: لا إلَهَ إلاَّ اللَّه، دون مَعْرِفَةِ مَعْنَاهَا، أو مَعْرِفَةِ
مَعْنَاهَا دونَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا، أو مَعْرِفَةِ مَعْنَاهَا وَالْعَمَلِ
بِمُقْتَضَاهَا دون التَّلَفُّظِ بها كَحَالِ الْمُشْرِكِين، كلُّ هذا لا يَنْفَعُ
حَتَّى يَنْطِقَ بها وَيَعْرِفَ مَعْنَاهَا وَيُعْمَل بِمُقْتَضَاهَا.
ومن الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا الْبَرَاءَةُ من الشِّرْكِ والمشركين هذا مُقْتَضَى التَّوْحِيد؛ ولهذا قال تَعَالَى: ﴿ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ﴾ [فُصِّلَت: 30] لم يَقْتَصِرْ على قَولِه: ﴿قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ﴾ [فُصِّلَت: 30] بل قَوَله: ﴿ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ﴾ [فُصِّلَت: 30] يَعْنِي: عَمِلُوا بِهَذِه الْكَلِمَة، فَأَفْرَدُوا اللهَ جل وعلا بِالْعِبَادَة، هذه هي