وَالْقَصْدُ من هَذَا: أنَّه يَنْبَغِي احْتِرَامُ
طَالِبِ الْعِلْم؛ لأنَّ الْمَلاَئِكَةَ تحترمُه فَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لَه، وهذا
فيه وَصَفُ الْمَلاَئِكَةِ بأنَّ لهم أَجْنِحَة، وهذا قد ذَكَرَه اللهُ تعالى في
الْقُرْآنِ الْكَرِيم فَقَال: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ
جَاعِلِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ
وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ﴾
[فَاطِر: 1] لَهُم أَجْنِحَةٌ يَطِيرُون بها في الْهَوَاء، فَلَقَد أَعْطَاهُم
اللهُ الْقُدْرَةَ على الطَّيَرَانِ وَالنُّزُولِ وَالصُّعُود.
وأمَّا قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ رحمه الله:
«وَالأَْحَادِيثُ في ذِكْرِهِم عَلَيْهِم
السَّلاَمُ كَثِيرَةٌ جدًّا» فقد أَفَاضَ رحمه الله ُ في إيرَادِ
الأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ في ذكرِ الْمَلاَئِكَة؛ لأنَّ الإِْيمَانَ
بِالْمَلاَئِكَةِ هو أَحَدُ أَرْكَانِ الإِْيمَانِ السِّتَّة، فَيَجِبُ مَعْرِفَةُ
هَؤُلاَءِ الْمَلاَئِكَة، وَالإِْيمَانُ بِهِم إيمانًا مفصَّلاً، ولا يَكْفِي
الإِْيمَانُ بِهِم إيمانًا مجملاً، ولذلك أَفَاضَ الشيخُ رحمه الله ُ في إيرَادِ
الأَْحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِصِفَةِ الْمَلاَئِكَةِ وَأَعْمَالِهِم
وَأَصْنَافِهم من أَجْلِ اعْتِقَادِ ما جَاء في الأَْحَادِيثِ التي اشْتَمَلَت على
كلِّ هذه التَّفَاصِيل.
وهذا بِخِلاَفِ قَوْلِ الْفَلاَسِفَةِ الْقَائِلِين بأنَّ الْمَلاَئِكَةَ عِبَارَةٌ عن الْهَوَاجِسِ الْكَامِنَةِ في النَّفْسِ الْبَشَرِيَّة، فَإِن كانت هذه الْهَوَاجِسُ تُعَبِّرُ عن الْخَيْرِ فهي الْمَلاَئِكَة، وَإِن كانت هَوَاجِسُ شرٍّ فهي الشَّيَاطِين، فليس في فِكْرِهِم أنَّ الْمَلاَئِكَةَ وَالشَّيَاطِينَ مَخْلُوقُون، لأَنَّهُم لا يُؤْمِنُون بِالْغَيْبِ وإنَّما يُفَسِّرُون الْمَلاَئِكَةَ بِقُوَى الْخَيْرِ الْكَامِنَةِ في الإِْنْسَان، وَالشَّيَاطِينَ بِقُوَى الشَّرِّ، هذا مَذْهَبُ الْفَلاَسِفَةِ وَرَأْيُهم في الْمَلاَئِكَة.