ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ
أَعۡقَٰبِكُمۡۚ﴾
[آل عمران: 144]؛ فَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ ومات كما يَمُوتُ
الْبَشَر.
وفي هذا ردٌّ على الغُلاةِ الَّذِين يَقُولُون: إن
الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لم يَمُتْ وإنه حَيّ! فإنَّه لو كان حيًّا لَمَا
دُفنَ في التُّرَاب، ولو كان حيًّا صلى الله عليه وسلم لَذَهَبَ إلَيْه أَصْحَابُه
رضي الله عنهم عند اخْتِلاَفِهِم لِيَفْصِلَ بَيْنَهُم! لَكِنَّ أَهْلَ الْبَاطِنِ
لا يَنْظُرُون إلى ما تَقْتَضِيه العقولُ فضلاً عمَّا تَقْتَضِيه أدلَّةُ الشَّرع،
فهم يَرْكَبُون رُءُوسَهم وَأَهْوَاءَهُم، فالرَّسولُ عليه الصلاة والسلام بَشَرٌ
وهو مَيِّت، وقد بلَّغَ الرَّسالةَ وأدَّى الأمانةَ، وَأَكْمَل اللهُ به الدِّين،
ثم بعد ذلك توفَّاه اللَّه؛ قال تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ
أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ﴾
[الأنبياء: 34].
ومن شَفَقَتِه صلى الله عليه وسلم بأُمتِه أنَّه
أَوْصَاهُم بعد مَوْتِه ولم يَتْرُكْهُم، وإنَّما أَوْصَاهُم بِمَا يَقُودُهُم إلى
الجنَّة، وهذا من نُصْحِه عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ حيًّا وميّتًا.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وأنا تاركٌ فِيكُم ثَقَلَينِ» ثَقَلين
مَثْنَى: ثَقَل، وَالْمُرَاد: الْقُرْآن الْكَرِيم والسُّنة النَّبَوِيَّة، وسمَّي
الْقُرْآنَ ثقلاً وكذا السُّنةَ لأَنَّه يَثقُلُ الْعَمَلُ بِهِمَا على أَهْلِ
الْكَسَلِ والخُمول، وَقِيل: سُمِّيا ثَقَلين لعِظَمِهما وَكَبِيرِ شَأْنِهِمَا.
وَقَوْله: «وأوَّلهما كتابُ اللهِ فيه الْهُدَى والنُّور» وَتَدْخُلُ فيه السُّنَّةُ فهي من كتابِ اللهِ عز وجل وهي الْوَحْيُ الثَّانِي، فَالْوَصِيَّةُ بِكِتَابِ اللهِ وصيَّةٌ بالسُّنةِ أيضًا، لأنَّ اللهَ تعالى يَقُوْل: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ﴾ [الحشر: 7]، فالسُّنةُ من عندِ اللهِ عز وجل، وهي وحيٌ أَوْحَاه اللهُ إلى