وَقَوْله: «وَهْو الْفَصْلُ ليس بِالْهَزْل» وهذا كما في قولِه تَعَالَى: ﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلٞ
فَصۡلٞ ١٣وَمَا هُوَ بِٱلۡهَزۡلِ ١٤﴾
[الطارق: 13- 14]؛ وَالْهَزْل ضِدّ الْفَصْل، فهو يَفْصِلُ بين الْحَقِّ
وَالْبَاطِل، وَالْهَزْل: هو اللَّعِب، وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ مُنَزَّهٌ عن أن
تَكُونَ هذه صفتُه.
وَقَوْله: «مَن تَرَكَه من جبارٍ قَصَمَه الله» أَي: أَعْرَض عَنْه ولم يلْتَفِت
إلَيْه، فَإِنَّ اللهَ يقصمُه، قال تَعَالَى: ﴿فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ
هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ﴾
[طَه: 123].
وَقَال: ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا
وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ١٢٤قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ
وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا ١٢٥قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ
ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ ١٢٦﴾
[طَه: 124 - 126].
وَقَوْله: «ومن ابْتَغَى الْهُدَى من غَيْرِه أَضَلَّه الله» فَمَن أَرَاد
الْهُدَى من غيرِ كتابِ اللهِ فَلَن يَصِلَ إلى طَرِيقِ الْهُدَى وَالصَّوَاب،
فَمَن يَرْجِعْ إلى الْمَنْطِقِ وَالْجَدَلِ وَعِلْمِ الْكَلاَمِ وَيَسْتَدِلْ
بِهَذِه الأُْمُورِ على أنَّها قواعدُ عقليةٌ يقينيةٌ، وَأَنَّ كتابَ اللهِ
دَلاَلَتُه ظَنِّيَّة لأَنَّه دَلِيلٌ سَمْعِي وليس عقليًّا، فَمَن كانت هذه
طَرِيقَتُه، وهي طَرِيقَةُ الْمُبْتَدِعَة الذين يَسْتَدِلُّون بِالْمَنْطِقِ
وَعِلْمِ الْجَدَلِ وَالْكَلاَم، فَلَن يَصِلَ إلى الْهُدَى وَالصَّوَاب، كَيْف لا
وهم يُؤوِّلون كَلاَمَ اللهِ حَتَّى يَتَّفِقَ مع منطقِهم وهذه هي طَرِيقَةُ
أَهْلِ الضَّلاَل.
وأمَّا أَهْلُ الْحَقِّ فَإِنَّهُم لا يَعْدِلُون عن الْقُرْآن؛ لأَنَّه هو دَلِيلُهِم، ولا يَعْبَئُون بِقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِ وَعِلْمِ الْكَلاَم ولا يَلْتَفِتُون إِلَيْهَا؛ لأنَّ اللهَ أَغْنَاهُم عَنْهَا، فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَسْتَدِلُّون بِالْقُرْآنِ في أَبْوَابِ الْعَقَائِدِ