×
شرح أصول الإيمان

وَقَوْله: «ولا تَلْتَبِس به الأَْلْسِنَة» أَي: لا تُخْطِئ به ولا تَخْتَلِط، فهو كما قال تَعَالَى: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ [الشعراء: 195]، يَقْرَؤُه الْعَرَبِيُّ بِوُضُوح وَسُهُولَة، حَتَّى إنَّ الأَْعْجَمِيَّ الذي لا يَعْرِفُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّة إذا تَلاَ الْقُرْآنَ فإنَّه يَقْرَؤُه كما هُو، لا يُغَيِّرُ منه حرفًا، وهو لا يَعْرِفُ كَلِمَةً وَاحِدَة من كَلِمَاتِ اللُّغَة الْعَرَبِيَّة، وهذا من إعْجَازِ الْقُرْآن؛ ولهذا قال تَعَالَى: ﴿وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ [القمر: 17].

وَقَوْلُه: «ولا تشْبِع منه الْعُلَمَاء» في التَّفَقُّهِ في مَعَانِيه وَتَدَبُّرِه، فلا أحدَ يُحِيطُ بِمَا في الْقُرْآنِ من الأَْسْرَارِ وَالأَْحْكَامِ وَالْحكَمِ مَهْمَا تَأَمَّل وَتُدْبِر، فَكُلُّ عَالِمٍ يَأْخُذُ منه بِقَدْرِ ما يَسْتَطِيع، فلا أَحَدَ اسْتَطَاع أن يُحِيطَ بِكُلِّ ما في الْقُرْآنِ الْكَرِيم من الْمَعَانِي وَالأَْسْرَار التي فِيْه، لأَنَّه بَحْر، وَلَكِن كلٌّ يَأْخُذُ منه بِقَدْرِ ما أَعْطَاه اللهُ من الْفَهْم، وَيَبْقَى الْكَثِيرُ وَالْكَثِيرُ في هذا الْبَحْرِ الزَّاخِر، الْمَلِيءِ بِالْمَعَانِي وَالأَْسْرَارِ المتنزلةِ من لَدُن حَكِيمٍ عَلِيم.

وَقَوْله: «ولا يَخْلق عن كَثْرَة الرَّدّ» لأنَّ من إعْجَازِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَعَجَائِبِه أنَّه لو كرَّر قارئُه قِرَاءَتَه فإنَّه لا يَسْأَمُ من قِرَاءَتِه، ولو سَمِعَه السَّامِعُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ لَمَا سَئِم من سَمَاعِه، بِخِلاَفِ الْكَلاَمِ الآَخَرِ الذي مَصْدَرُه الْبَشَر فإنَّه لو كُرِّر لَمَلَّ منه الْقَارِئُ وَالسَّامِعُ على السَّوَاء، بِخِلاَفِ كَلاَمِ الْخَالِقِ الذي كُلَّمَا كُرِّر زَادَت الرَّغْبَةُ فِيْه، وَالتَّلَذُّذ بِقِرَاءَتِه وَسَمَاعِه، فإذا سَمِعَه السَّامِعُ أو قرأه الْقَارِئُ فإنَّه يَشْعُر وَكَأَنَّه يَقْرَؤُه أو يَسْمَعُه لأَِوَّل مَرَّة، وهذا من إعْجَازِ كتابِ اللهِ جل وعلا الذي أَحْكَم نَظْمَه وَأَتْقَن بَيَانَه.


الشرح