وقد
وَفَدَ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدٌ من الْجِنِّ وطلبوا منه موعدًا
فَأَعْطَاهُم الْمَوْعِدَ فَكَلَّمُوه صلى الله عليه وسلم وَكَلَّمَهُم، وقد أثنتْ
الْجِنُّ على هذا الْقُرْآنِ وَتَعَجَّبْت منه، وَدَعَتْ قَوْمَهَا إلى
الإِْيمَانِ بِه، وهذا من عَجَائِبِ هذا الْقُرْآن.
وَقَوْله: «مَن قال به صَدَق» أَي: بِالْقُرْآنِ فقد صَدَق؛ لأنَّ الْقُرْآنَ
الْكَرِيمَ مَعْصُومٌ من الْخَطَأ، فَمَن اتَّبَعَه وقال بِمَا يَدُلُّ عَلَيْه
فإنَّه يَصْدُقُ في قولِه وَاجْتِهَادِه وَحُكْمِه.
وَقَوْله: «ومن عَمِل به أُجِر» أَي: من امْتَثَلَ بِمَا جَاء به الْقُرْآنُ
الْكَرِيم من الطَّاعَاتِ وَالأَْعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَإِن اللهَ يُثِيبُه
وَيَكْتُبُ له الأَْجْرَ الْعَظِيم.
وَقَوْله: «ومن حَكَم به عَدَل» أَي: من جَعَلَه مرجعًا لِلْحُكْم في
الْخُصُومَاتِ بين النَّاسِ وَالْمُنَازَعَاتِ فإنَّه يَعْدِل، فَيُعْطِي صَاحِبَ
الْحَقِّ حَقَّه، وَيُمْنَع الظَّالِم عن ظُلْمِه، وهذا هو الْعَدْل، وهذا إنَّما
يكونُ في الْقُرْآنِ الْكَرِيم، قال تَعَالَى: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ
يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50].
وَقَال: ﴿وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ﴾ صدقًا في أَخْبَارِه، وعدلاً في أَحْكَامِه ﴿لَّا مُبَدِّلَ
لِكَلِمَٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ﴾
[الأَْنْعَام: 115].
وَقَوْله: «ومن دَعَا إلَيْه هَدْي إلى صِرَاط مُسْتَقِيم» فَمَن دَعَا إلى
كتابِ اللهِ فإنَّه يَدْعُو إلى هُدًى، وأمَّا من دَعَا إلى غَيْرِه فإنَّه
يَدْعُو إلى ضَلاَل، وماذا بعد الْحَقِّ إلاَّ الضلالُ!
هَذِه هي أَوْصَافُ الْقُرْآنِ الْكَرِيم، وهي أَوْصَافٌ صَحِيحَة، وَإِن كان الْحَدِيثُ لم يَثْبُتْ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَكِنَّ مَعَانِيه صَحِيحَةٌ مؤيَّدةٌ بِالأَْدِلَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْه صلى الله عليه وسلم، وموافِقة لما عَلَيْه الْوَاقِعُ قديمًا وحديثًا وإلى أن يَرِثَ اللهُ الأَرْضَ ومن عَلَيْهَا.