×
شرح أصول الإيمان

 إلى حدِّ الْكُفْر المُخرِج من الملَّة فإنَّه تَجبُ طاعتُه، وَإِنّ جارَ وَإِنْ ظَلم وَإِن فَجَر فجورًا دون الْكُفْر؛ لِمَا في طَاعَتِه من الْمَصْلَحَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَحَقْنِ الدِّماءِ وَالْمَصَالِحِ الْكَثِيرَة التي من بَيْنَهَا دَفْعُ الظَّلَمةِ ونُصرةُ الْمَظْلُومِين.

إلاَّ أنَّ طَاعَةَ وُلاةِ الأُْمُورِ مقيَّدة، وأمَّا طَاعَةُ اللهِ تعالى وَطَاعَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فهي طاعةٌ مُطْلَقَة؛ لأنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ إلاَّ بِمَا هو حقٌّ وكذلك الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، وأمّا وُلاةُ الأُْمُورِ فَإِنَّهُم قد يَأْمُرُون بِمَعْصِيَةٍ فهم لَيْسُوا بِمَعْصُومِين؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» ([1])، وقال عليه الصلاة والسلام: «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» ([2])، فإذا أَمرَ الوُلاةُ بمعصية فلا طَاعَةَ لهم في هَذَا، وَلَكِن ليس معنى هذا أن تَنْعَزِلَ ولايتُهم، وإنَّما تَبْقَى وَلَكِن لا يُطاعوا فِيْمَا أمَرُوا من الْمَعَاصِي، وإنَّما يُطاعوا فِيْمَا لم يُخَالِفْ كتابَ اللهِ وسُنَّةَ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم؛ فَقَوْلُه تَعَالَى: ﴿وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ قال المفسِّرون: الْمُرَاد بِهِم الأمراءُ. وقال آخَرُون: الْمُرَادُ بِهِم الْعُلَمَاء، وَالصَّوَابُ أنَّ قولَه تَعَالَى: ﴿وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖيَشْمَلُ الأُْمَرَاءَ وَالْعُلَمَاء، فهؤلاء بسلطتِهم، وهؤلاء بِعِلْمِهِم، فَالْعُلَمَاءُ من وُلاةِ الأُْمُور؛ لأَنَّهُم يَتَكَلَّمُون عن اللهِ تعالى وعن رَسُولِه صلى الله عليه وسلم.

وقوله تَعَالَى: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ [النور: 56]، فهو سُبْحَانَه قد قَال: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ ولم يَقُل:


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (4085)، ومسلم رقم (1840).

([2])  أخرجه: أحمد رقم (1095)، والطبراني في « الكبير » رقم (381)، والقضاعي رقم (873).