ومن هَؤُلاَء مَن لا يُنكرُ جميعَ السُّنة وإنَّما
يُنكرُ الآْحَادَ من الأَْحَادِيثِ ولا يَقْبَلُ إلاَّ الْمُتَوَاتِرَ منها،
بحُجَّةِ أنَّ الأَْحَادِيثَ الآْحَادَ ظَنِّية، وَالْمُتَوَاتِر هو الذي يُفِيدُ
العلمَ، وَالآْحَادُ عِنْدَهُم يُعمَلُ به في مَسَائِلِ الْفِقْه، وأمَّا في
الْعَقَائِدِ فلا يَعْمَلُون بِخَبَرِ الآْحَاد؛ بحُجَّةِ إفَادَتِه لِلظَّنِّ
وَالْعَقَائِدِ لا تُبنى –
بِزَعْمِهِم – إلاَّ على الْعِلْم، هَكَذَا
يَقُولُون! وهذا ما عَلَيْه الْمُعْتَزِلَة وما يسمَّى في زَمَانِنَا بالعقلانيين؛
ولذلك فهم يُنكرون صِفَاتِ اللهِ وَأَشْيَاءَ كَثِيرَةً في الْعَقِيدَةِ بحُجَّةِ
أنَّها ما جَاءَت إلاَّ بِرِوَايَةِ الآْحَاد!
وَنَحْن نَقُول: إنَّ ما صحَّ عن الرَّسُولِ صلى الله
عليه وسلم سَوَاءٌ كان متواترًا أو كان آحادًا فهو يُفِيدُ الْعِلْمَ وَالْيَقِينَ
وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِه، والرَّسولُ صلى الله عليه وسلم لم يَكُن يُرسِلُ جماعاتٍ
إلى الأَْقْطَار، وإنَّما كان يُرْسِلُ أفرادًا وَيعْمَلُ وُلاتُه صلى الله عليه
وسلم وأمراؤه بِخَبَرِ الرسولِ الذي أَرْسَلَه الرسولُ مع وَاحِدٍ صلى الله عليه
وسلم فبلَّغ عَنْه صلى الله عليه وسلم، ولم يَكُنْ يَرْفُضُ أُمَرَاؤُه هذا
بحُجَّةِ أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يُرسلْ إليهم جَمَاعَةً لِيَشْهَدُوا أنَّ
الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم قال ما جَاء به رُسُلُه وهم فُرادى.
والصَّحابةُ رضي الله عنهم كانوا يُصلُّون الْعَصْرَ إلى بَيْتِ الْمَقْدِس، لِبَقَائِهِم على الأَْصْلِ وَلَمًّا نُسخَتْ القِبْلةُ وحوِّلَتْ صَلَّى الرسولُ صلى الله عليه وسلم العصرَ في مَسْجِدِه إلى الْكَعْبَة، فَخَرَج رجلٌ وَاحِدٌ من عِنْده صلى الله عليه وسلم وأتى إلى أنُاسٍ يصلُّون إلى بيتِ الْمَقْدِسِ صَلاَة الْعَصْر، فَقَال: إنَّ القِبلةَ قد حوِّلتْ إلى الْكَعْبَة؛ فَاسْتَدَارُوا أَمَامَهُم نَحْو الْكَعْبَة ([1])؛ فَلَم يَقُولُوا: هذا خبرُ آحَاد فلا نَعْمَلُ بِه.
([1]) انظر: البخاري رقم (40)، ومسلم رقم (525).