وهذا
من سُنَّتِه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يَتخوَّلهم بِالْمَوْعِظَةِ أحيانًا،
فَيُؤْخَذُ من هذا مَشْرُوعِيَّةُ الْمَوْعِظَة، وأنَّ الْعَالِمَ أو الْوَاعِظَ
أو إمَامَ الْمَسْجِدِ يَنْبَغِي له أَلاَ يَغفَلَ عن جَمَاعَتِه من
الْمُسْلِمِين، بل يَعِظُهُم أحيانًا ولا يُطيلُ عَلَيْهِم وَيَتْرُكَهُم دون أن
يُذَكِّرهم بِمَا فيه خيرُهم في الدُّنيا وَالآْخِرَة.
وَقَد كان ابنُ مَسْعُود رضي الله عنه يَعِظُ أصحابَه،
فَطَلَبُوا منه أن يُدَاوِمَ على الْمَوْعِظَة؛ فقال لَهُم: إنَّ رَسُولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم كان يتخوَّلنا بِالْمَوْعِظَة في الأَْيَّامِ كَرَاهِيَةَ
السَّآمةِ عَلَيْنَا ([1]).
وفي الْحَدِيث: أنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم
وَعَظ أَصْحَابَه في يومٍ من الأَْيَّام، وِجَاء في بَعْضِ الأَْحَادِيثِ أنَّ ذلك
كان بعد صَلاَةِ الْفَجْر ([2]).
وَقَوْله: «مَوْعِظَة بَلِيغَة ذَرَفَت منها الْعُيُون» وذلك أنَّه صلى الله
عليه وسلم أُعطِيَ جوامعَ الكَلِمِ وفَصْلَ الْخَطَّاب، وكان صلى الله عليه وسلم
يَخْتَارُ الأَْلْفَاظَ المؤثِّرةَ في مَوْعِظَتِه دونَ أن يُسْتَطْرَدَ بِمَا لا
فَائِدَةَ فِيْه.
وَقَوْله: «وَجِلَتْ منها الْقُلُوب» يَعْنِي: بَلَغ تَأْثِيرُهَا إلى
الْقُلُوبِ وَالأَْفْهَام.
وَقَوْله: «فَقَال رَجُل: يا رَسُولَ اللَّه، كأنها مَوْعِظَة مودِّع» يَعْنِي:
كان قد فهم هذا الرَّجُلُ أن هذه الْمَوْعِظَةَ في آخِرِ حَيَاتِه صلى الله عليه
وسلم، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا فَهِم.
وَقَوْله: «فَمَا تَعْهَد إلَيْنَا» يَعْنِي: أَوْصِنا، لأَنَّه منه عَادَة العالِم أو وليِّ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (6048)، ومسلم رقم (2821).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد