فدلَّ على أن فُقْدان الْفُقَهَاء في الْمُجْتَمَع
خَطَرٌ عَظِيمٌ، وأنَّ وُجُود القُرَّاء لا يَكْفِي ولا يَنْفَع ولا يُسمن ولا
يُغْنِي من جُوعٍ، بل يَضُرُّ لأَنَّهُم يُفْتُون بِغَيْر عِلْم؛ ولهذا قال الله
تعالى في بَنِي إسْرَائِيلَ: ﴿وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ
إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾
[البقرة: 78] والأمانِيُّ: هي الْقِرَاءَة فَيَقْرَءُون كثيرًا وَلَكِنَّهُم لا
يَفهمون، فَيَنْبَغِي التَّفقُّه في كِتَاب الله تعالى وسُنَّةِ رَسُولِه صلى الله
عليه وسلم، وذلك بالتَّلقِّي عن أَهْل الْعِلْم وَالْفِقْه في دِين الله.
وَلَهَذَا قال تعالى: ﴿فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ
طَآئِفَةٞ﴾ [التوبة: 122]، يعني:
سَافَرُوا إلى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وإلى الْعُلَمَاء ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ
فِي ٱلدِّينِ﴾ لا أن يَبْقُوا في
بِلاَدِهِم أو بِوَادِيهِم يَقْرَءُون الْقُرْآن؛ لأنَّ هذا لا يَكْفِي، لأنَّ
الْعِلْم هو الْفِقْه، وليس الحِفْظَ فَقَط، ولكنَّ الْحِفْظ وَسِيلَةٌ إلى
الْفِقْه.
والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيْهٍ،
وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» ([1]).
وَيَقُول صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» ([2])،
فقد يَسْمَع الْمَرْء وَيَحْفَظ دون وَعِيٍّ، ولكن رُبَّما يُبلِّغ هذا إلى إنسانٍ
فقيهٍ يَعْرِف مَعْنَاه.
فليس الْمَدَار على ما عليه الْكَثِير من الشَّبَاب الْيَوْم، حيث عَكَفُوا على قِرَاءَة الْكُتُب ثم تصدَّروا لِلشَّرْح بعدما قَرَءُوا، أو تعلَّم بَعْضهُم على
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (3660)، والترمذي رقم (2656)، وابن ماجه رقم (230)، وأحمد رقم (21590).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد