وَالْخَصْلَة الثَّانِيَة:
مُتمثِّلة في قوله صلى الله عليه وسلم: «النَّصِيحَة
لِلْمُسْلِمِين» وَتَعْنِي: عَدَم الْغِشِّ، وَالنَّاصِح ضِدّ الغاشِّ،
فَالْمُسْلِم لا يَغُشُّ الْمُسْلِمِين في جَمِيع تصرُّفاته مَعَهُم، وإنَّما
تَكُون تصرُّفاته مَعَهُم على النَّصِيحَة وَعَدَمِ الغِشِّ في جَمِيع الأُْمُور،
فلا يخدعهم ولا يغُشُّهم في الْبَيْع وَالْمُعَامَلاَت ولا في الْمَشُورَة إذا
استشاروه، ولا يَرْضَى لهم الْخَطَأ وإنَّما يُرِيد لهم الصَّوَاب؛ لأَنَّه قال
صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُؤْمِنُ
أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» ([1])،
فيكون مع الْمُسْلِمِين ناصحًا لهم في كلِّ الأُْمُور، ولا يُكِنُّ لهم الْغَدْر
وَالْخِيَانَةَ وَالْغِشَّ وَالْخَدِيعَةَ، فَكَمَا أنَّه لا يَرْضَى لِنَفْسِه
بذلك فإنَّه يَجِب أَلاَّ يَرْضَاه لِإِخْوَانِه الْمُسْلِمِين.
وَالْخَصْلَة الثَّالِثَةُ:
مُتمثِّلة في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَلُزُومُ
جَمَاعَتِهِم» وهذه خَصْلَةٌ عَظِيمَةٌ؛ ولذلك فإنَّه يَجِب لُزُوم جَمَاعَة
الْمُسْلِمِين وَعَدَمُ مُخَالَفَتِهِم والشُّذوذِ عنهم ولو بِرَأْيٍ أو قَوْلٍ أو
فِعْلٍ، وكذلك لا يَجُوز الْخُرُوج على إمَام الْمُسْلِمِين؛ لأنَّ فيه خروجًا على
جَمَاعَة الْمُسْلِمِين، ولأنه لا تَكُون جَمَاعَةٍ إلاَّ بِإِمَامٍ، ولا إمَامٌ
إلاَّ بِسَمْعٍ وَطَاعَةٍ، وَعَلَيْه يَجِب عَدَم الذَّهَاب مع الأَْحْزَاب
وَالْجَمَاعَاتِ وَالْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَاتِّبَاعِ الأَْقْوَال
الشَّاذَّةِ، بل يَجِب الْبَقَاء مع الْمُسْلِمِين وعلى ما هُمْ عليه في الْقَوْل
وَالْعَمَلِ؛ لاسِيَّما عند الْفِتَن وَالاِخْتِلاَفِ.
فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما أَخْبَر عن الْفِتَن التي تَحْدُث قال له حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رضي الله عنه: فَمَا تأمُرني إنْ أدرَكني ذلك؟ قال: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (13)، ومسلم رقم (45).