فَعَلَى الْمَرْء أن يتوقَّف عن الْمَسْأَلَة التي لا
يَعْلَمُهَا ولو كان من أَكْثَر أَهْل بَلَدِه علمًا، أو يُحيلَ السائلَ إلى من هو
أَعْلَم منه، فإنَّه لو فعل ذلك دلَّ هذا على فَضْله لا على نَقْصِه، وقد كان
الْعُلَمَاء إلى وَقْتٍ قُرَيْبٍ إذا لم يَكُن عِنْدَهُم جَوَابٌ قالوا: لا
نَدْرِي، ولا يَعْتَبِرُون هذا نقصًا وإنَّما يَعْتَبِرُونَه من خَوْف الله عز وجل.
وفي هذا الْحَدِيثِ بَيَان شدَّة خُطُورَة الْفَتْوَى،
وأنَّه يَجِب على الْمُفْتِي أن يتثبَّت ولا يُفْتِي إلاَّ بما ظَهَر له من
الْحُكْم الشَّرْعِيِّ، فَإِن كان عِنْدَه علمٌ قال به، وإلا اعْتَذَر عن
الإِْجَابَة خَوْفَ الْوُقُوع في الإِْثم، وهذا ما كان يَفْعَلُه سَلفُنا
الصَّالِح، بِخِلاَف ما نُشَاهِدُه في وَقْتِنَا الْحَاضِرِ الذي كَثُر فيه
الْجَهْل، وكَثُر المُفتون والمفتونون الذين يُفْتنُون النَّاس، وكَثُر
المُتعالمِون لقلَّة الْوَرَع وَالْخَوْفِ من الله سبحانه وتعالى، فعلى من سُئل
وليس عِنْدَه مَعْرِفَةٌ بِالْجَوَاب أن يقول: لا أَدْرِي؛ فهذا هو المَخرج له
أَمَام الله سبحانه وتعالى.
وقَوْلُه: «وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ»، الْمَشُورَة نَوْعٌ من الاِسْتِفْتَاء إلاَّ أن الْمَشُورَة في الاِسْتِفْتَاء تَكُون في مَسَائِل الشَّرْع، وأمَّا الْمَشُورَة الْمَذْكُورَةُ هُنَا فَتَكُون في أُمُور التَّجْرِبَة وَالأُْمُورِ غير الشَّرْعِيَّة، فَالْوَاجِب على من استُشير أن يدلَّ من اسْتَشَارَه على ما يَرَاه خيرًا له، فَإِن دلَّه على غير ما يَرَاه خيرًا فقد خَانَه؛ لأنَّ الْمُسْتَشِير كان قد ائْتَمَنَه على أن يدُلَّه على ما يَرَاه، فإذا دلَّه على غير ما يَرَاه كانت هذه خِيَانَةً من الْمُسْتَشَار، فَالْوَاجِب على الْمُسْتَشَار أن يُبدي الْمَشُورَةَ الصَّحِيحَةَ.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد