وعن
بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَال: سَمِعْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُوْل:
«إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلاً، وَإِنَّ مِنَ
الشِّعْرِ حِكَمًا، وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالاً» ([1]).
****
الدُّنْيَا مع
قِلَّة الْكَلاَم فَارْغَبُوا فيه وفي مُجَالَسَتِه؛ لأَنَّه «يُلَقَّى الْحِكْمَةَ» مَنْ قِبَل الله سبحانه وتعالى.
فَقوله صلى الله عليه وسلم: «يُعْطَى زُهْدًا» أَي: من الله جل وعلا «فِي الدُّنْيَا» أَي: استصغارًا لِشَأْنِهَا وَأَهْلِهَا.
وَقَوْلُه: «وَقِلَّةَ مَنْطِقٍ» أَي: قَلِيلٌ من الْكَلاَم في غير طَاعَة إلاَّ
بِقَدْر الْحَاجَة.
وَقَوْلُه: «فَاقْتَرِبُوا مِنْهُ فإنَّه يُلَقَّى الْحِكْمَةَ» أَي: فَارْغَبُوا
فيه والْزِمُوهُ، لأَنَّه لم يُحْرَم الإِْصَابَةَ في الْقَوْل، ولا رُؤْيَةَ
الأَْشْيَاء في غير مَوْضِعِهَا، وإنَّما يَضَع الأَْشْيَاء كما هِي، فإنَّه
يَنْظُر بِنُور اللَّه، ومن كان هذا وصْفُه أَصَاب في مَنْطِقِه؛ وَالْحِكْمَة
هِي: الْفِقْه في أُمُور الدِّيْن والدُّنْيا، قال تَعَالَى: ﴿يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ
فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ﴾
[الْبَقَرَة: 269]، وَتُطْلَق الْحِكْمَةُ وَيُرَاد بها وَضَعُ الشَّيْء في
مَوْضِعِه، وَتُطْلَق وَيُرَاد بها: الْفِقْه في الدِّيْن، قال تَعَالَى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ
ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾
[الجمعة: 2]، قِيْل: الْحِكْمَة هي السُّنَّة. وَقِيل: الْحِكْمَة هي الْفِقْه في
الدِّيْن. ولا تعارُضَ بيْن الْمَعْنَيَيْن؛ لأنَّ السُّنَّة هي الْفِقْه في
الدِّيْن.
قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا» «الْبَيَان»: هو الْبَلاَغَة وَالْفَصَاحَة في الْقَوْل، وَالسِّحْر في الأَْصْل: الصَّرْف، وَسُمِّيَ السِّحْر سِحرًا لأَنَّه يَصْرِف قُلُوب الْحَاضِرِين وَيَجْذِب الأَْسْمَاع وَيُغَيِّر الأَْشْيَاء،
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (5012)، والقضاعي رقم (961).