×
شرح أصول الإيمان

 فالبليغ يَسْتَطِيع أن يُصَوِّر الْحَقَّ باطلاً وَالْبَاطِل حقًّا بِبَلاَغَتِه، وكذلك السِّحر يُغَيِّر الْحَقَائِق، وَالْبَلاَغَة نَوْع من السِّحر من خِلاَل تَغْيِير الْحَقَائِق بِتَمْوِيه اللَّفْظ عن تدبُّر الْمَعْنَى؛ ولذلك سُمِّي سِحرًا، وهو سِحر كَلاَمَي يَسْحَر النَّاس ويستميلهم، ولهذا يقول الشَّاعِر:

فِيْ زُخْرُفِ القَوْلِ تَزْيِـينٌ لِبَاطِلِـهِ **** وَالحَـقُّ قَـدْ يَعْتَرِيْـهِ سُوْءُ تَعْبِيْرِ

تَقُـوْلُ هَذَاْ مِجَاْجُ النَحْلِ تَمْدَحُـهُ **** وَإِنْ تَعِـبْ قُلْتَ ذَاْ قَيْءُ الزَنَاْبِيْرِ

مَدْحَاً وَذَمْاً وَمَاْ جَاْوَزْتَ وَصْفَهُمَاْ **** سِحْرُ البَيَاْنِ يُرِيْ الظَلْمَاءَ كَالنُوْرِ

فالبليغ يَسْتَطِيع أن يغيِّر الأَْشْيَاء عن حَقَائِقِهَا بِبَلاَغَتِه، هذا معنى «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا». وقد قال بَعْض الْعُلَمَاء: إن هذا من باب الذَّمّ للبلاغة. ويكون الْمَقْصُود من هذا مَنَع النَّاس من الإِْعْجَاب وَالاِغْتِرَار بِأَصْحَاب الْبَلاَغَة.

ففي هذا الْحَدِيث الحثُّ على أن يكون الاِهْتِمَام وَالإِْعْجَاب وَالاِسْتِقْبَاح إلى جَانِب الْمَعْنَى.

وَالْبَعْض الآَخَر يَقُوْل: هذا من الْمَدْح للبلاغة.

وَالصَّوَاب: أن الْبَلاَغَة لا تُمدَح ولا تَذُمّ لِذَاتِهَا، وإنَّما تُمدح أو تُذَم لما تُسْتَعْمَل فِيْه، فَإِن استُعمِلت لِبَيَان الْحَقّ فهذا مَحْمُود، وَإِن استُعمِلت لِنُصْرَة الْبَاطِل فهذا مَذْمُوم.

ولذلك كان من الْخُطَبَاء وَالشُّعَرَاء من اتَّخَذَهُم الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، فقد اتَّخَذ من الْخُطَبَاء من يَخْطُب عند الْوُفُود، وَاِتَّخَذ من الشُّعَرَاء كَحَسَّان بن ثَابِت وَكَعْب بن مَالِك وَكَعْب بن زُهَيْر وَعَبَد الله بن رَوَاحَة، فقد اتَّخَذ من شِعْرِهِم نُصْرَة لِلدَّعْوَة.


الشرح