وَقَوْله: «وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلاً» لِكَوْنِه مذمومًا، وَالْجَهْل به
خَيْر منه؛ وَالْمُرَاد من الْعُلُوم ما لا يَحْتَاج إلَيْه فَيَشْتَغِل به عن
تَعَلُّم ما يَحْتَاجُه في دِينِه، ويكون فِيمَا إذا دَخَل الْعَالِم فِيْمَا لم
يَبْلُغْه عِلْمُه فإنَّه يَنْقَلِب إلى جَهِل، فعلى الْعَالِم أن يَتَوَقَّف عند
عِلْمِه ولا يَتَكَلَّف ما لا يَعْلَمُه، فَإِن تَكَلَّف ما لا يَعْلَمُه صَار
جهلاً.
وَقَوْله: «وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا» الشِّعْر مَعْرُوف أنَّه من
أَنْوَاع الْكَلاَم، على اعْتِبَار أن الْكَلاَم يَنْقَسِم إلى قسمين: نَثْرٌ،
وَشِعْرٌ؛ وَالشِّعْر إن اسْتُعْمِل في نُصْرَة الْحَقِّ فهو مَحْمُود:
كَالدَّعْوَة إلى الله، وَالرَّد على الْبَاطِل، كَشِعْر حَسَّان بن ثَابِت رضي
الله عنه، وأما الذي يَستعمل شِعْرَه في الْبَاطِل والمُجون وَالْغَزْل
وَالْعِشْق، أو لِمَدْح الْخَمْر وَالْمَعَاصِي فهو مَذْمُوم، فَالشِّعْر منه ما
هو مَمْدُوح وفيه حِكْمَة؛ ولذلك نَجِد بَعْض الشُّعَرَاء يَنْطِق بِالْحِكْمَة في
شِعْره: كَالْمُتَنَبِّي، وَكَعْب بن زُهَير، وزُهَير بن أَبِي سُلْمَى.
فَالشِّعْر كغيره من الْكَلاَم مَحْمُود وَمَذْمُوم،
وَالشِّعْر هو دِيوَان الْعَرَب، تُؤْخَذ اللُّغَة منه، وخصوصًا شِعْر
الْجَاهِلِيَّة وَصَدْر الإسلام، فَتُؤْخَذ الشَّوَاهِد منه على أنَّه حُجَّة في
اللُّغَة الْعَرَبِيَّة، وَتُؤْخَذ منه الْحِكَم وَالأَْمْثَال وَالْمَوَاعِظ، فلا
يُزْهَد فيه كُلِّه ولا يُحْمَد كُلُّه.
وَقَوْله: «وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالاً»: العايل: هو الذي يَمْشِي على غير طَرِيق، كالضالِّ وَالضَّائِع، وهو خِطَاب من لا يُصْغِي لَك، وعَرْضُكَ حديثَكَ على من لا يُرِيدُه وليس من شَأْنِه، فَيَنْبَغِي عَدَم خِطَاب من لا يُصْغِي إلَيْك؛ لأَنَّه من الْعِيَال، أَي: مِن الضَّيَاع.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد