وعن
عَمْرو بن الْعَاص رضي الله عنه أنَّه قال يومًا -وقام رَجُل فَأَكْثَر الْقَوْل-،
فقال عَمْرو: لو قَصْدَ فِي قَولِه لَكَان خيرًا لَه، سَمِعْت رَسُول الله صلى
الله عليه وسلم يَقُوْل: «لَقَدْ رَأَيْتُ -أَو: أُمِرْتُ -أَنْ أَتَجَوَّزَ في
الْقَوْلِ، فَإِن الْجَوَاز هَوَ خَيْر». رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد ([1]).
آخِره
وَالْحَمْد لِلَّه رَبّ الْعَالَمِين حمدًا كثيرًا.
****
في هذا الْحَدِيث أنَّه تَكَلَّم رَجُل عند عَمْرو بن
الْعَاص رضي الله عنه، وكان أميرًا على مِصْر في زَمَن عُمَر بن الْخَطَّاب رضي
الله عنه، فَأَكْثَر الرَّجُل الذي تَكَلَّم الْقَوْل، فانتقده عَمْرو رضي الله
عنه، فَقَال: لو قَصَد في قَوْلَه -وَذَكَر الْحَدِيث عن رَسُول الله صلى الله
عليه وسلم -.
قَوله صلى الله عليه وسلم: «لَقَد رَأَيْت -أَو: أُمِرْت- أن أتجوَّز في
الْقَوْل»: أَي: عَلِمْت -أَو أُمِرْت- شَكٌّ من الرَّاوِي، «أَن أَتَجوَّزَ في الْقَوْل» أَي:
أَخْتَصِر فيه وأخفف عن السَّامِع، وهذا من صِفَة كَلاَم الرَّسُول صلى الله عليه
وسلم كما سَبَق بَيَان ذلك.
وَقَوْله: «فَإِنَّ التجوُّز فيه خَيْر» وهو الاِقْتِصَار على قَدَر
الْكِفَايَة؛ لأَنَّه يَحْصُل فيه الْمَقْصُود دون تَكَلُّف وَدون إتْعَاب
لِلسَّامِع.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فِيْه خَيْر»: دَلِيل على أن عَدَم التجوُّز فيه شَرٌّ، وَأَن أَمْره يَؤول إلى أُمُور مَذْمُومَة، وفيه خَلط لِلْمَعْنَى الْمُرَاد، فهذا الاِخْتِصَار من أَعْظَم آدَاب الْكَلاَم، فعلى الْمَرْء أَلاَ يَتَكَلَّم إلاَّ بِقَدْر الْحَاجَة، ولا يَتَكَلَّم إلاَّ إذا كان لِلْكَلاَم مُنَاسَبَة، وألا يكون «مَن الْقَوْل عيالاً» كما في الْحَدِيث السَّابِق، فَيَضِيع الْكَلاَم ولا يُسْتَفَاد منه.
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (5008)، والبيهقي في «الشعب» رقم (4975).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد