×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثالث

   مَدى حُرِّيَّةِ الرَّأي    

ومتى يَحكُمُ على الإنسانِ بمُوجبِ أقوالِه وأفعالِه؟

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ خاتِمِ الأنبياءِ والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد كثُرَتْ في هذا الوقتِ الأقوالُ بحُرِّيَّةِ الرَّأي والرَّأيِ الآخَرِ، وأنَّها لا تُصَادِرُ الآراءَ، وأنَّه لا وِصَايةَ على النَّاسِ في آرائِهم، وأنَّ الحقَّ ليسَ حِكْرًا على أحَدٍ.. إلى غيرِ ذلك ممَّا تَعُجُّ بِه الصُّحُفُ والمَقالاتُ.

ونحنُ نقولُ: إنَّ النَّاسَ كلَّهُم عبيدٌ للهِ سبحانَه تَجْري عليهِم جميعًا أَحْكَامُه القَدَريَّةُ والشَّرعيَّةُ فليسوا أحرارًا بمعنى أنَّهم لا يُحاسَبونَ على أخْطائِهم ولا يُعاقَبونَ على تَجَاوُزَاتِهم ولا يُثابونَ على حَسَناتِهم، قالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا [الأحزاب: 36]، وَحُرِّيَّةُ الرَّأْيِ إن كانَ يُرادُ بها أنَّهم يَقولونَ ما يشاءون دُونَ ضَوابِطَ شَرْعِيَّةٍ ومَقَايِيسَ عَقليةٍ، فهذا قَولٌ باطِلٌ، لأنَّ الإنسانَ يُحْصَى عليه ما يقولُ ويُحاسَبُ عليهِ قال تَعَالى: ﴿مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ [ق: 18]، ﴿لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ [آل عمران: 181]، وقد تَوعَّدَ اللهُ الكفارَ والمنافقينَ على مقالاتِهم الكُفرِيَّةِ، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟»([1]). ولا يُعْفَى عن مَقالاتِه


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (2616)، وابن ماجه رقم (3973)، وأحمد رقم (22016).