×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثالث

 وقد وضعَ اللهُ للسَّفرِ رُخَصًا شرعِيّة تسهيلاً على النَّاسِ فيه، وإنَّما الممنوعُ السَّفرُ لأجْلِ تخْصِيص بُقْعَةٍ بالعبادةِ لا دليلَ على تخْصِيصِها؛ لأنَّ هذا يُعْتَبَرُ مِنَ البِدَعِ، وقد قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ([1])، وفي رواية: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْه فَهُوَ رَدٌّ» ([2])؛ ولأنّ هذا وسيلةٌ إلى الشِّرْكِ، ولو كانَ الأمرُ كما ذكرَ الحازمي لم يكن لهذا الحديث فائدةٌ، وحاشا كلام رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يكونَ عديمَ الفائدة.

ومِمَّا يَدُلُّ عَلَى أنَّ المقصُودَ بالحديثِ سَفَرُ العبادةِ أنَّ المساجِدَ لا تُقْصَدُ إلاَّ للعبادةِ لا للسِّياحةِ ولا للتِّجارَةِ. وكَوْنُ النَّاسِ يُسافرون لِبنائِهَا - كما ذُكِرَ - لا عَلاقةَ لِذَلك بتَخْصِيصِها بالعبادة والسَّفَرِ مِن أجل ذلك؛ لأنَّ بناءَ المساجدِ حثَّ عليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ورغَّبَ فيه؛ فالبناءُ شيءٌ، وتخصيصُ مكانٍ بالعبادةِ شيءٌ آخرُ.

3- وأما إبراهيم مصطفى عبد الله، فقد قال مُبرِّرًا السَّفَرَ لِزيارَةِ قبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ذكرَ اللهُ في كتابهِ العزيز: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا [النساء: 64]، فَإتْيَانُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم حيًّا أو مَيِّتًا، أخذَوهُ مِن هذه الآية.

وأقول: إتيانُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم للتعلُّم مِنه وسُؤالِه وطلَبِ الدُّعاء منه في حياته أمْرٌ لا شَكَّ فيه أنهُ مطلوبٌ، وهو الذي تدُلُّ عليه الآيةُ، أما إتيانُه صلى الله عليه وسلم بعدَ موتِهِ لِهَذِه الأمورِ فغَيْرُ مشروعٍ. ولِلفَرْقِ بين الحياةِ


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (1718).

([2])أخرجه: البخاري رقم (2697)، ومسلم رقم (1718).