بالاجتهادِ»، وهذا من اختصاصِ أهلِ العِلْمِ،
وليسَ مِن حَقِّ المُثَقَّفِينَ والمُفَكِّرِينَ الذين ليسَ عندَهُم تخَصُّصٌ في
معرفةِ مواضعِ الاجتهادِ وقواعد الاستدلالِ أن يتكلَّمُوا ويكْتُبُوا فيه.
ولو كانَ لا يُخطّأ
أحَدٌ مِن أصحابِ الأقوالِ والمذاهبِ لكانت كُتب الرُّدُودِ والمعارَضاتِ التي
ردَّ بها العلماءُ على المُخالِفين كُلّها مَرْفُوضَة، ولَمَا كان لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ﴾ [النساء: 59]
فائدةٌ ولا مَدلولٌ؛ لأنَّهُ لا تَجُوزُ تخطِئَةُ المُخالِف، وهذا لازِم باطلٌ،
فالملزومُ باطِلٌ.
وما نقرَؤُه وما
نسمعُه مِن اتِّهامٍ للعُلماءِ الذين يَرُدُّونَ على المُخالفين بأنَّهم
يحتكِرُونَ الصَّوابَ لَهُم، ويخطِّئُونَ مَنْ خالَفَهُم، وأنَّهُم يُصادِرون
الآراءَ والأفكار - إلى آخرِ ما يُقال - فهو اتِّهام باطل.
فإن العلماءَ
المُعْتَبَرِين لا يحتكِرُون الصَّوابَ في أقوالِهم، وإنَّما يُخَطِّئُونَ مَن
خالفَ الدَّلِيلَ، وأرادَ قلْبَ الحقائقِ، فيَرُدُّونَ على مَن هذه صِفَتُه عملاً
بقولِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا:
لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِلهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ،
وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ»([1]).
وقد ردَّ اللهُ سبحانه وتعالى على أهلِ الضلال في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه الكريم، وشرَعَ لنا الرَّدَّ عليهم إحقاقًا للحقِّ ودفعًا للباطل، ولولا ذلك لشاعَ الضَّلالُ في الأرضِ، وخَفِيَ الحقُّ وصارَ المَعروفُ مُنكرًا، والمنكَرُ مَعروفًا، بل شرعَ اللهُ لنا ما هو أعظمُ مِن ذلك، وهو جهادُ أهلِ الباطلِ بالسيف والسِّنانِ، وبالحُجَّةِ والبيانِ، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ﴾ [التوبة: 73]، وإذا كان حصلَ من بعض المُتعالِمِين
([1])أخرجه: مسلم رقم (55).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد