×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثالث

العَشْرِ الأواخِرِ منه، ولم يُحدِّدْ عددًا من الرَّكَعات، وكان هو صلى الله عليه وسلم يُصلِّي في رمضانَ وفي غيرِه إحدى عشْرَةَ أو ثلاثَ عشرةَ رَكْعةً، يُطيلُها جِدًّا، ويقرأُ فيها قراءةً طويلةً تُقَدَّرُ بالأجزاءِ الكثيرةِ، وكان الصَّحابةُ في عهْدِ عُمَرَ رضي الله عنه يُصَلُّونَ ثلاثًا وعشرينَ، ويُخَفِّفُونَ الصَّلاةَ مُراعاةً للمأمُومِينَ عملاً بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الحَاجَةِ، فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِه فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ»([1]).

فكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا كانَ في الغالبِ يُصلِّي التهجُّدَ وَحْدَهُ يُطِيلُ الصَّلاةَ، ويُقَلِّلُ عدَدَ الرَّكَعاتِ، وكانَ الصَّحابةُ لَمَّا صلَّوْهَا جماعةً يُخَفِّفُونَ الصَّلاةَ، ويَزِيدُونَ في العدَدِ، لكن جاء في هذا الزَّمانِ جماعةٌ مِنَ المُتعالِمين غيْرِ الفقهاء أخذوا بالعدَد، وتركُوا الصِّفَةَ فقالوا: لا يُزادُ في قيام رمضانَ على إحدى عشْرَة أو ثلاثَ عشرة اقتداءً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ونقولُ لهم: لماذا اقْتدَيْتُمُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في العددِ، ولم تقْتَدُوا به في صِفةِ الصَّلاةِ؛ فتُطِيلُونَها كما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُطيلُها؟ حتى إنَّه قرأ في ركعتينِ بالبقرَةِ والنِّساء وآل عمران خمْسة أجزاء وزيادة، وكان ركوعُه نحْوًا من قيامِه، وسجودُه نحوًا من ركوعِه. ثم أليس ما فعله الصَّحابةُ سُنَّةً؛ لأنه من فِعْلِ الخلفاء الرَّاشِدين؟ ولماذا زادوا في العددِ، وخفَّفُوا في الصِّفَةِ؟ إلاَّ رِفْقًا بالنَّاسِ، ولكَوْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لم يُحَدِّدْ، وهُم أفْهَمُ لِسُنَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأحرصُ على تَطبِيقِها مِنَّا، فاتركُوا الناسَ يقومون رمضانَ، ويتهَجّدونَ فيه، ولا تُشَوِّشُوا عليهم، بارك الله فيكم.

ومَنْ كانَ له رأيٌ خاصٌّ منكم؛ فليعمَلْ به في نفسِه، ولا يُلْزِمِ الناسَ به أو يُشَوِّش عليهم برأيه، ولْيُصَلِّ قيامَ رمضانَ وحده، ويَقِي الناسَ مِن


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (703)، ومسلم رقم (467).