×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثالث

والأغلالَ التي كانت على مَن قبْلِنا، لكنَّ هؤلاءِ يريدونَ بالتَّسامُحِ ترْكَ الأوامرِ وارتكابَ المَناهي وعدمَ التَّميِيز بين مُسلم وكافرٍ وعَدُوٍّ للهِ ووليٍّ للهِ، وهذا غُلُوٌّ في التَّسامُحِ وجُنوحٌ به إلى غيرِ مفهومه الصحيح.

إنَّ التسامُحَ معناه: الأخْذُ بالرُّخَصِ الشَّرعِيَّةِ عندَ الاحتياجِ إليها، والاقتصار على حُدودِ الرُّخصَةِ والأخذِ بها وقتَ الحاجةِ بِشُروطِها الشَّرعِيَّةِ مع عدَمِ التوسُّعِ في مفهومِها، وقد عرّف الأصُولِيُّونَ الرُّخْصة بأنَّها: استِبَاحةُ المَحْظُور مع قيامِ سببِ الحظرِ لِمُعارِضٍ راجِحٍ بحيث إذا زالَ هذا العارضُ فإنَّنا نرجِعُ إلى العزيمةِ، فمثلاً قَصْرُ الصَّلاةِ خاصٌّ بالسَّفَرِ، وأكْلُ المَيْتَةِ خاصٌّ بحالة الضَّرُورةِ، وإذا انتهى السَّفَرُ انتهى القَصْرُ، ولَزِمَ إتمامُ الصَّلاةِ، وإذا زالتِ الضَّرورةُ عاد تحريمُ المَيْتَةِ، وهكذا في جميع الرُّخَص، فلا يجوزُ انتهاكُ أحكامِ الشَّرِيعة بذريعةِ التَّسامُح وعدم التشَدُّد كما يقولون.

ثالثًا: غلُوُّهم فيما يُسَمُّونَهُ التشدُّدَ والتطرُّفَ، ولاشكَّ أنَّ اللهَ نَهى عن الغُلُوِّ في الدِّينِ وكذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم نهَى عن ذلك، ولكن المُرادَ بالغُلُوِّ في كلامِ الله وكلامِ رسولِه هو الزِّيادَةُ عن الحدِّ المشروع، وهؤلاءِ عندهم أنَّ مَنْ تمَسَّكَ بالدِّينِ، واقتصرَ على الحَدِّ المشروعِ فإِنَّهُ مُتَشدِّدٌ، وهذا غُلُوٌّ في ضابطِ التشَدُّدِ، والتَشدُّدُ المَنْهِيُّ عنه لا يرجِعُ في تفسيره إلى أذواقِ النَّاسِ واعتباراتهم، وإنَّما يرْجِعُ فيه إلى الكتابِ والسُّنَّةِ وفَهْمِ ذلك منهما على الوَجْهِ الصَّحِيح الذي فَهِمَهُ سلَفُ هذه الأُمَّةِ، ودِينُنا دِينُ الوسَطِ الذي لا غُلُوَّ فيهِ ولا جفاء ولا إِفْراط ولا تَفْرِيط.

قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153]، 


الشرح