فمن العجيب
استدلالُهم بهذا الحديثِ مع ضَعْفِه، فكيف يُعارَض به الأدلِّة الصَّحِيحة مِن
الكتاب والسُّنَّةِ الدَّالَّة على تحريم نظرِ الرَّجُل إلى وجْهِ المرأة
الأجنبيَّة ووجُوب سَتْرِه؛ والنَّظَرُ رَسولُ الفِتْنةِ وبريدُ الزِّنا، وقديمًا
قال الشاعر:
كُلُّ الحوادِثِ
مَبْداها مِنَ النَّظَر *** وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَر
وحديثًا قال آخر:
نَظْرَةٌ
فَابْتِسَامَةٌ فَسَلاَمٌ *** فَكَلاَمٌ فَمَوْعِدٌ فَلِقَاء
فما بالُهُم الآنَ
يتساهلون في النَّظَر.
وقال العلامة
الشِّنقيطي في أضواء البيان (6/ 602) ما نَصُّهُ: «وبالجملةِ فإنَّ المنِّصفَ يعلم
أنَّهُ يبْعُد كُلَّ البُعْدِ أنْ يأذنَ الشَّارِعُ للنِّساءِ في الكشْفِ عن
الوجهِ أمام الأجانبِ مع أنَّ الوَجْهَ هُو أصْلُ الجمالِ والنَّظَر إليه من
الشَّابَّةِ الجميلةِ هو أعظمُ مُثِيرٍ للغَريزة البشريَّةِ وداعٍ إلى الفِتْنَةِ
والوُقوع فيما لا ينبغِي، ألم تسمَعْ بعضُهم يقول:
قُلْتُ اسْمَحُوا
لِيَ أنْ أفوزَ بنظْرَةٍ *** ودَعُوا القيامةَ بعْدَ ذاكَ تَقُومُ
أتَرْضَى أيُّها
الإنسانُ أنْ تسمحَ له بهذهِ النَّظْرةِ إلى نِسائِكَ وبَناتِكَ وأَخَوَاتِكَ،
ولقدْ صدقَ مَن قال:
وما عَجَبٌ أنَّ
النِّساءَ ترَجَّلتْ *** ولكِن تَأْنِيث الرِّجالِ عَجِيب». ا هـ.
إضافة إلى ذلك نقول: إنَّ الفِتْنة
مُتَوَقَّعَةٌ مِن كُل رَجُل نظَرَ إلى وجهِ امرأةٍ أجنبيَّةٍ ولا سِيَّمَا
الشَّابَّةُ الجميلة، فإنَّ الفِتْنَة بالنَّظَرِ إليها أعْظَم؛ فيتعَيَّنُ
الحِجاب منعًا لهذه الفِتْنة على جميع النِّساء.
ونعودُ إلى بيان: دَرجة الحديثِ الذي
استدلَّ به هؤلاءِ وبيان ما قاله العلماءُ فيه، قال ابن كثيرٍ: قال أبو داودَ وأبو
حاتم الرَّازِيُّ:
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد