×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثالث

وقال الشيخ أبو الأعلى المَوْدُودي في كتاب الحِجاب له بعد أن ذَكَرَ جُملةً مِن أقوال المُفسِّرين على آيةِ الأحزاب: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ الآية [الأحزاب: 59] ما نَصُّهُ: «ويتَّضِحُ من هذه الأقوالِ جميعِها أنَّهُ مِن لَدُنْ عصْرِ الصَّحابةِ المَيْمُونِ إلى القرن الثَّامن للهجرةِ حمَلَ جميعُ أهلِ العِلْم هذه الآيةَ على مَفهومٍ واحدٍ هو الذي فهِمْناهُ مِن كلماتِها، وإذا راجَعْنا بعد ذلك الأحاديثَ النَّبويَّة والآثار علِمْنَا منها أيضًا أنَّ النِّساءَ قد شَرَعْنَ يلبِسْنَ النِّقابَ على العمومِ بعد نُزول هذه الآيةِ على العهدِ النَّبَوِيِّ، وكُنَّ لا يخْرُجْنَ سافِراتٍ، فقد جاء في سُنن أبي داود والترمذي والموطأ للإمام مالك وغيرها مِن كُتب الأحاديث أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد أمرَ المُحْرِمة أن لا تنتقب ولا تلْبَسِ القُفَّازَيْنِ، ونهى النِّساء في إحرامِهنَّ عن القُفّازيْنِ والنِّقاب، وهذا صريحُ الدَّلالةِ على أنَّ النِّساء في عهدِ النُّبوَّةِ قد تعوّدنَ الانتقاب ولبْسَ القُفَّازَيْنِ عامَّةً فَنُهِينَ عنه في الإحرام، ولم يكنِ المقصودُ بهذا الحُكْمِ أن تُعْرَضَ الوُجوهُ في موْسِمُ الحَجِّ عرْضًا، بل كان المقصود في الحقيقةِ أن لا يكون القناعُ جزءًا من هيئةِ الإحرام المتواضِعة كما يكون جزءًا من لباسهِنَّ عادة، فقد ورد في الأحاديث الأخرى تصريح بأن أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعامة المسلمات كُنَّ يُخْفِينَ وُجوهَهُنَّ عن الأجانب في حالة إحرامهِنَّ أيضًا، ففي سُنَن أبي داود عن عائشة، قالت: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ»([1]) إلى أن قالَ: وَكُلُّ مَن تأمَّلَ كلماتِ الآية وما فسَّرها به أهلُ التفسيرِ في جميع الأزمانِ بالاتفاق، وما تعامل


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (1833)، وأحمد رقم (24021)، والبيهقي رقم (9051).