×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثالث

ولا يَخافونَ منْ سُوءِ المَصيرِ، ولمَّا كانَ الحجُّ واجتماعُ النَّاسِ فيهِ مَوْسِمًا لِلتِّجارةِ والْبَيْعِ والشِّراءِ وطلبِ الرِّزْقِ، وكانَ بعضُ الصَّالحينَ يَتَورَّعونَ منَ الاتِّجارِ في الحجِّ ويَخافونَ أنَّه يَتَنافَى معَ الإخلاصِ أو يُنقضُه، نَفَى سُبحانَه هذَا التَّوَهُّمَ ونفى الإثْمَ عمَّن تَاجَرَ في الحجِّ وطَلَبَ الرِّزْقَ إذا أدَّى المَنَاسِكَ على الوَجْهِ المَشروعِ فَوَقَفَ بعرفةَ وبَاتَ بالمُزدلفةِ ثمَّ أفاضَ منها إلى منًى لأداءِ بَقِيَّةِ مَناسكِ الحجِّ فقال سُبحانه: ﴿فَإِذَآ أَفَضۡتُم [البقرة: 198]، يعني: دَفَعْتُم بعد غروبِ الشَّمسِ، ﴿مِّنۡ عَرَفَٰتٖ [البقرة: 198]، وهي مَشعَرِ الوُقوفِ الَّذي هو الرُّكنُ الأعظمُ منْ أركانِ الحجِّ، ﴿فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ [البقرة: 198]، وهو المزدلفةُ أو الجبلُ الواقعُ فيها وما حَولَه، وذِكْرُ اللهِ في هذا المَشْعَرِ يكونُ بصلاةِ المغربِ والعِشاءِ والفَجرِ فيهِ والمَبيتِ فيه المبيتِ الكاملِ إلى الفَجرِ والمُجزئُ إلى نِصْفِ الَّليل، ثمَّ أكَّدَ الأَمرَ بالذِّكْرِ ممَّا يَدُلُّ على وُجوبِه فقالَ: ﴿وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ [البقرة: 198]، أي: على الوَجْهِ الَّذي شَرَعَه لكم وأَرشَدَكم إليه ﴿وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ [البقرة: 198]، أي: قبلَ هِدايتِه لكم ﴿لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ [البقرة: 198]، الَّذينَ يَعبدونَ اللهَ على جَهْلٍ كما كانوا يفعلونَه في الْجاهليَّةِ من تغييرِ المَناسكِ عنْ ملَّة إبراهيمَ، ومنْ ذلك أنَّهم كانوا يَبْقُون في المُزدلفةِ إلى أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، والمَشْرُوعُ الدَّفْعُ منها قُبَيْلَ طُلوعِ الشَّمسِ كما فَعَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وكذلكَ كانوا يَقِفُون في اليومِ التَّاسعِ في المُزدلفةِ ولا يَذهبونَ إلى عرَفَةَ؛ ولذلك قال سُبحانهُ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ [البقرة: 199] أي: منْ عرفَةَ بعدَ الوُقوفِ فيها على ملَّةِ إبراهيمَ عليه السلام لا على ملَّةِ الجَاهليَّةِ.


الشرح