×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثالث

ثالثًا: الجهادُ في سبيلِ اللهِ مَوجودٌ في شَرَائِعِ الأنبياءِ السَّابقينَ عليهِم الصَّلاةُ والسَّلامُ وليسَ هو خاصًّا بشريعةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فهذا موسى عليه السلام خَرَجَ ببنِي إسرائيلَ ليُخَلِّصَ الأرضَ المقدَّسةَ منْ أيدِي الجَبَابِرَةِ الكفَّارِ، ومَنْ بعدَ موسى طَلَبَ الملأُ من قومِه: ﴿إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ [البقرة: 246] وانتهى الأمْرُ بلقائِهم بعدوِّهم ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ [البقرة: 251]. وهذا نبيُّ اللهِ سليمانُ عليه السلام قالَ في حقِّ قومِ بلقيسَ الذين كانوا يَعبدونَ الشَّمسَ من دونِ اللهِ: ﴿فَلَنَأۡتِيَنَّهُم بِجُنُودٖ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخۡرِجَنَّهُم مِّنۡهَآ أَذِلَّةٗ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ [النمل: 37]، فالجهادُ في سبيلِ اللهِ شريعةٌ قديمةٌ، وكذلك ما كان بينَ بني إسرائيلَ وبينَ الفُرْسِ المَجوسِ من القِتالِ والمُدَاوَلاتِ.

رابعًا: ليسَ الغرضُ منَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ سَفْكَ الدِّماءِ بغيرِ حقِّ والاستيلاءَ على الأموالِ والبلادِ؛ لأنَّ المسلمينَ يُصيبُهم في أكثرِ ممَّا يُصيبُ الكفَّارَ منَ الألَمِ وبَذْلِ الأنفُسِ والأموالِ كما قال تعالى: ﴿إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ [النساء: 104]، ولكنَّ الغرضَ منَ الجهادِ في الإسلامِ إعلاءُ كلمةِ اللهِ وإخراجُ النَّاس من الظُّلماتِ إلى النُّورِ ومنَ عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ اللهِ، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ [الذاريات: 56] وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَوْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى» ([1])؛ ولذلكَ تجبُ دعوتُهم إلى الإسلامِ قبلَ قِتالِهم، فقِتَالُهُم لأجلِ مَصْلَحَتِهم؛ ولذلك جاءَ في الحديثِ: «عَجِبَ رَبُّكَ


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (25)، ومسلم رقم (22).