ثم قال المزينيُّ يُخاطِبُني: «ويعلم الشيخ أنَّ
مُعظمَ الحروبِ كانَ وراءَها نياتٌ خيِّرةٌ ومن آخرِها هذه الحروبُ الَّتي تُشَنُّ
على المسلمينَ في الوقتَ الحاضرِ، فالغرَضُ منها كما يَدَّعِي مُؤَجِّجُوها أن
يتحوَّلَ العَرَبُ والمسلمونَ إلى الدِّيمقراطيَّةِ وهو هدفٌ نبيلٌ. ثم يقولُ:
أمَّا النتائجُ التي ترتَّبَتْ على تلك النِّيَّةِ الخيِّرةِ فكانتْ مُدمِّرَةٌ
بكلِّ المقاييسِ».
وأقولُ: إنْ أرادَ
بالدِّيمقراطيَّةِ التي ذَكَرها أنَها العَدَالةُ بين النَّاسِ، فهذه قد كفَلَها
الإسلامُ للمسلمينَ، بلْ وغيرِ المسلمينَ، فالإسلامُ هو دِينُ العدْلِ والإنصافِ،
قال تعالى: ﴿وَتَمَّتۡ
كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ﴾ [الأنعام: 115]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلۡتُمۡ فَٱعۡدِلُواْ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۖ وَبِعَهۡدِ ٱللَّهِ
أَوۡفُواْۚ﴾ [الأنعام: 152]، هذا ما أَمَرنا اللهُ بهِ، والكفَّارُ إنَّما يَفرِضون
بِحُروبِهم الجَورَ والظُّلْمَ والجَبروتِ على المسلمين.
وإنْ أرادَ المزيني
بالدِّيمقراطيَّةِ الحرِّيَّةِ البَهيميَّةِ الَّتي تَضُرُّ البَشريَّةَ
وتُدَمِّرُ دِينَها وأخلاقَها فهذهِ ليستْ في صالحِ البَشريَّةِ؛ ولهذا أثْمَرَتْ
- كما قالَ - التَّدميرُ بكلِّ المقاييسِ؛ لأنَّ ما يَترتَّبُ على الباطِلِ فهو
باطِلٌ ولو كانتْ نِيَّةُ صاحبِه صالحةٌ وخيِّرةٌ كما قالَ، لكنَّ المُزينيَّ
يتَصوَّرُ أنَّ حربَ الكفَّارِ للمسلمينَ تكونُ لهدفٍ نبيلٍ، وأنَّ حرْبَ
المسلمينَ للكفَّارِ ليستْ لهدفٍ نبيلٍ، وإلا فَما الَّذي يَحمِلُه على مِثلِ هذا
الكلامِ الَّذي يَضحكُ منه العُقلاءُ، وقولُه في مطلَعِ كلامِه: «استخدَمَ الشيخُ
الفوزانُ في هذا الرَّدِّ -يعني جَوابي للأخِ: صالحِ العريني- لغةً أقلَّ حدَّةٍ
منَ الُّلغةِ الَّتي تَعوَّدْنا على قِرَاءَتِها في رُدودِه السَّابقَةِ».
وأقولُ له: الأخُ صالحُ
العريني سَأَلني أنْ أُوَضِّحَ له أحكامَ الجهادِ في الإسْلامِ، والسَّائلُ له
حقٌّ يَتَناسَبُ معهُ الأسلوبُ الذي ليسَ فيه حِدَّةٌ
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد