×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الثامن

وهذا يعقوب عليه السلام لما فقد أولاده الثلاثة قال: ﴿فَصَبۡرٞ جَمِيلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَنِي بِهِمۡ جَمِيعًاۚ [يوسف: 83]، ما قنط ولا يئس في أشد الأحوال وقد استجاب الله له وأحضر بنيه جميعًا عنده.

وهذا يونس عليه السلام لما أُلْقِي في البحر والتقمه الحوت، فصار في الظلمات ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت: ﴿وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٨٧ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُ‍ۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٨٨ [الأنبياء: 87، 88]، هذه سيرة الأنبياء أنهم لا يقنطون من رحمة الله حتى في أحلك الأحوال، ولما اشتد الأمر بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وضايقه المشركون خرج من مكة، خرج من مكة هائمًا لا يدري أين يذهب؟ لم يجد من ينصره ولا من يؤيده فبينما هو كذلك وإذا بملك الجبال يقول له يا محمد إن الله أرسلني إليك وقد سمع ما قال لك قومك، وأرسلني إليك لتأمرني بما شئت فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين (يعني: الجبلين المحيطين بمكة) قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ، لَعَلَّ اللهَ أن يُخرِجُ مِنْ أَصْلاَبِهِم مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه» ([1]). هكذا رجاء الأنبياء عند اشتداد الخطوب فهم لا ييأسون من رحمة الله وكذلك لا يأمنون من مكر الله لأن الله جل وعلا يقول: ﴿أَفَأَمِنُواْ مَكۡرَ ٱللَّهِۚ فَلَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ [الأعراف: 99].

فعلينا عباد الله أن نعمل بهذا الأصل العظيم في سيرنا إلى الله سبحانه وتعالى فنكون بين الخوف والرجاء ولا تأخذنا الشهوات والشبهات، لا يأخذنا


الشرح

([1])  أخرجه:البخاري رقم (3059)، ومسلم رقم (1795).