فَكَيْفَ
يَتَوَهَّمُ مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِن إيمانٍ وَحِكْمَةٍ أنْ لا
يكونَ بَيانُ هذا البابِ قَد وَقَعَ مِنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلَى
غايَةِ التَّمامِ؟ إذا كانَ قَد وَقَعَ ذلك مِنْهُ، فَمِنَ المُحالِ أنْ يَكونَ
خَيْرُ أُمَّتِهِ وَأَفْضَلُ قُرُونِها قَصَّروا فِي هذا البابِ، زَائِدِينَ فِيهِ
أو ناقِصينَ عَنْهُ.
****
أي: كيفَ يَتصَوَّرُ مَن عِندَهُ
عَقْلٌ -ولو كانَ قليلاً- أنْ يكونَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَهملَ هذا
البابَ، ولَمْ يُبَيِّنْهُ للنَّاسِ، حتَّى يَأتِيَ أفراخُ الجَهمِيَّةِ،
وَيُبيِّنُوه للنَّاسِ، وَيُضَلِّلُوا السَّلَفَ الصَّالِحَ، أو يَتَّهِمُوهم
بالجهلِ، وأنَّهُم لا يعرفونَ ذلك، هذا التَّصَوُّرُ مُحالٌ لأمريْنِ:
أولاً: مُحالٌ أنْ يكونَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم تركَ بَيانَ هذا البابِ،
وإذا لَم يُبَيِّنْهُ، فماذا بَيَّنَ إذًا؟! ومَنِ اعتقدَ أَنَّ الرَّسُولَ لَم
يُبَيِّنْهُ، فهو كافِرٌ.
ثانيًا: مُحالٌ أنْ يكونَ الرَّسُولُ بَيَّنَ هذا، وكَتَمهُ الصَّحابَةُ، ولم يَنقُلُوه، ولم يُبيِّنُوه للنَّاسِ، وهم أفضلُ الخَلْقِ وأفضلُ القُرونِ، وأَنصَحُ الخلْقِ، وأَعلَمُ الخَلْقِ بعدَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فهُم الواسِطةُ بَينَنا وبينَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، ما بَلغَنا هذا الدِّينُ إِلاَّ عَن طريقِهم، هم الَّذِين حَملُوا إلينا القرآنَ، وعَلَّمُونا إِيَّاهُ بعدَ ما تَعلَّمُوهُ مِن الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، هم الَّذِين حَملُوا إلينا سُنَّةَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَوْهَا لنا حديثًا حديثًا، فما مِن حديثٍ إِلاَّ وهو مَروِيٌّ عَن صحابِيٍّ مِن صحابةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد