فَلَمَّا
انبَنَى أمْرُهُم عَلَى هاتينِ المُقدِّمَتَيْنِ الكُفرِيَّتَيْنِ كانتِ النتيجةُ:
استجهالَ السَّابقينَ الأوَّلِينَ، واستِبْلاهَهُم، واعتقادَ أنَّهُم كانُوا قومًا
أُمِّيِّينَ، بِمَنزلةِ الصَّالِحِينَ مِن العامَّةِ، لم يَتبَحَّرُوا فِي حقائِقِ
العِلْم باللهِ، ولمْ يَتفَطَّنُوا لدقائقِ العِلْم الإلهيِّ، وأنَّ الخَلَفَ الفُضلاءَ
حازُوا قَصَبَ السَّبْقِ فِي هذا كُلِّهِ.
****
القرآنِ والسُّنَّةِ، وتَرْك هذه الجَدَلِيَّات
والمَنطِقِيَّات الَّتِي جاءتْ مِن فَلاسِفَةِ اليُونانِ الكَفَرَةِ، حينمَا
عَرَّبَتِ الكُتُبَ الأجنبيَّةَ فِي عهدِ المأمُونِ، جاءَ عِلمُ المَنطقِ وعِلْمُ
الجَدلِ وعِلْمُ الكلامِ، وأمَّا القرآنُ فهو مِن عندِ اللهِ عز وجل، والسُّنَّةُ
مِن عِنْدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللهِ عز وجل، فَفَرْقٌ بينَ
المَصدَرَيْنِ: مَصدَرِ اليُونان، ومَصْدَرِ القرآنِ المُنَزَّلِ مِن عِند اللهِ
عز وجل،والسُّنَّةِ المُطَهَّرَة.
لمَّا بَنَوْا مَذهَبَهُم عَلَى مُقدِّمَتَيْنِ:
إحداهما: أنَّ السَّلَفَ لا يَفهَمُونَ القرآنَ، وأنَّ الخَلَفَ يَفهَمُونَهُ.
الثَّانِيَة: أنَّ أدِلَّةَ القُرآنِ والسُّنَّةِ ظَنِّيَّةٌ،
وأدِلَّةَ المَنطقِ قَطعِيَّةٌ. نَتجَ عن هاتيْنِ المُقدِّمَتينِ اللَّتَيْنِ
مَصدَرُهما تَجهِيلُ السَّلَفِ، واستِغفالُهم، وجَعلُهم بِمَنزِلَةِ الصَّالِحِينَ
مِنَ العامَّةِ، وَتَحذِيقُ الخَلَفِ، وتَقدِيمُهُم فِي العِلْمِ، النَّتِيجَة:
أنَّهُم استَجْهَلُوا السَّلَفَ، وقالوا: إِنَّهُم قومٌ أُمِّيُّونَ، يَحفَظُونَ،
ولا يَفهَمُونَ، يَحفظُونَ كلامًا لا يَفهمُونَ مَعناهُ.
أي: لم يَتبحَّرِ السَّلَفُ فِي عِلْمِ المنطقِ، لم يَدرُسُوا المنطقَ وعِلْمَ الجدَلِ؛ فلذلك صَارُوا جُهَّالاً بِزَعْمِهم، يقولون: إنَّ الصَّحابةَ والتَّابِعينَ مِثْلُ العوامِ، ليسَ عندهم إِلاَّ حِفْظٌ فقط، يَحفَظُونَ القرآنَ والسُّنَّةَ، لكن ليس عندهم فَهْمٌ.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد