وهُمُ الَّذِينَ يجْحَدُونَ
مِنَ العُلُومِ مَا سِوَى الحِسِّيَّات.
فهَذِهِ أسَانِيدُ جَهْم تَرْجِع إلى اليَهُودِ والصَّابِئِينَ
والمُشْرِكِينَ، والفَلاسِفَة الضَّالِّينَ إمَّا مِن الصَّابِئينَ، وإمَّا من
المُشْرِكِينَ. ثمَّ لمَّا عُرِّبَتِ الكُتُب الرُّوميَّة في حُدُودِ المِائَةِ
الثَّانِيَة زَادَ البَلاءُ.
****
لا يُؤمِنُونَ إلاَّ بِمَا يَرَونَهُ، أمَّا مَا غَابَ عَنْهُم فَلاَ
يُؤمِنُونَ بِهِ، لاَ يُؤمِنُونَ أنَّ هُناكَ رَبًّا ولاَ بَعْثًا ولاَ نُشُورًا،
ولاَ يُؤْمِنُونَ بالمَاضِي، إنَّمَا يُؤمِنُونَ بالحَاضِر الَّذي يَرَوْنَه
فَقَط، هَؤُلاَءِ يُسَمَّونَ الآنَ المَادِّيِّينَ، لأنَّهُم لاَ يُؤمِنُونَ إلاَّ
بالمَادَّة المَحْسُوسَةِ.
هَذِهِ أسَانِيدُ جَهْم، الَّذي تتلْمَذَ عَلَى أهْلِ الضَّلاَل، هَذِهِ
حصِيلَتُه، وهَذِهِ نتِيجَتُه وعَافِيَتُه.
أخَذَهَا مِنَ الفِرَق الأرْبَع: عنِ اليَهُودِ، وعنِ الصَّابِئِينَ
المُشْرِكِينَ، وعنِ الفَلاسِفَة: فَلاسِفَةِ اليُونَانِ، وفَلاسِفَةِ الهِنْدِ.
يرِيدُ الشَّيخُ أنْ يُبيِّنَ متَى دَخَلَ الضَّلاَلُ عَلَى المسْلِمِينَ، فيقُولُ: بدَايةُ دُخُولِ الضَّلالِ عَلَى المسْلِمِينَ لمَّا عُرِّبتِ الكُتُبُ الرُّوميَّة عَلَى عهْدِ المأْمُونِ، وهِيَ تشْتَمِلُ علَى: الفَلسَفَةِ، وعلْمِ الكَلاَمِ، والمنْطِقِ، يسمُّونَهَا: برَاهِينَ، وأدِلَّة؛ لأنَّهُم ليْسَ عنْدَهُم شَيْء منَ الوَحْي، وإنَّما يعتَمِدُونَ عَلَى عقُولِهِم، وعلَى مَا يقُولُه قدمَاؤُهُم، ويتوَارَثُونَه، وكَانَ الإسْلاَم سالِمًا منْ هَذِهِ الكُتُبِ، وكَانَ المسْلِمُونَ مقتَصِرِينَ عَلَى كتَابِ اللهِ وعَلَى سنَّة رَسُولِ اللهِ وعلَى كلاَمِ السَّلفِ من الصَّحَابَة والتَّابعِينَ، ولَم يحْدُثْ خَلَلٌ عنِ المسْلِمِينَ، بسبَبِ أنَّها لَم تدْخُلْ عَلَيْهم هَذِهِ الكُتُب وليْسَتْ بلغَتِهِم، ولا يعْرِفُونَها،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد