×
اَلتَّعْلِيقَاتُ اَلتَّوْضِيحِيَّةُ عَلَى مُقَدِّمَةِ اَلْفَتْوَى اَلْحَمَوِيَّةِ

 لأنَّها كُتُبٌ أعجَميَّةٌ، وكانُوا مستَغْنِينَ بكتَابِ اللهِ وسنَّةِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم، ثمَّ في عَهْد المَأمُونِ العبَّاسيِّ ([1])، وكَانَ مُغْرَمًا بتِلْكَ الكتُبِ الأجْنَبيَّة بسَبَبِ البِطَانَةِ الَّتي عنْدَهُ منَ المعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يعتَمِدُونَ عَلَى علْمِ المنْطِقِ، وَهُو وَلِيَ الخِلافَةَ بعْدَ أخِيهِ الأمِينِ، لمَّا تُوفِّي هَارُونُ الرَّشِيدُ رحمه الله خَلفَهُ مِنْ بَعْدِه ابنُهُ الأمِينُ، ثمَّ إنَّ المَأمُونَ ثَارَ عَلَيْه، وشَقَّ عَصَا الطَّاعَةِ عَلَيْهِ، وانْتَهَى الأمْرُ بتوَلِّي المَأمُونِ، وكَانَ رجُلاً ذَكيًّا وقَويًّا، لكنَّهُ استَوْزَرَ أهْلَ الضَّلاَلِ من المُعتَزِلَةِ، كبِشْرٍ المرِّيسِيِّ وابْنِ أبِي دُؤَادٍ، وكَانَ يَمِيلُ إلَى هَؤُلاَءِ، فأثَّرُوا عَلَيْه في عَقِيدَتِهِ، واستَمَالُوهُ إلَى هَذِهِ الكُتُبِ، ومدَحُوهَا عِنْدَهُ، وكَانَ مُغْرمًا بالثَّقَافَةِ والعُلُومِ، فتَأَثَّر بِهَا. وهكَذَا الإنسَانُ يتَأَثَّرُ بجُلَسائِه وبطَانَتِه، إذَا كانُوا بطَانَةَ سُوءٍ. فاعْتَنَقَ مذْهَبَ الاعْتِزَالِ. والقَوْل بخَلْقِ القُرآنِ، وأرَادَ أن يُجْبِرَ النَّاسَ عَلَى القَوْلِ بخَلْقِ القُرآنِ، وامتَحَنَ النَّاسَ محْنَة شَدِيدَة، وقَتَلَ مِنْهُم مَنْ قَتَلَ، وضَرَبَ مِنْهُم مَنْ ضَرَبَ، وضَرَبَ الإمَامَ أحْمَدَ وسَجَنَهُ، ولكِنَّ الإمَامَ أحْمَدَ رحمه الله ثَبَتَ، وصَمَدَ، وصَبَرَ عَلَى الضَّرْبِ والحَبْسِ والإهَانَةِ، وتَطَاولَ المَأْمُونِ عَلَى الأئِمَّةِ، كُلُّ هَذَا بسبَبِ جُلَسَاءِ السُّوءِ، وإلاَّ فهُو في الأصْلِ لَيْسَ مِنْهُم، لكِنْ أثَّرُوا عَلَيْه، فاعْتَنَقَ مذْهَبهُم، وظَنَّه حَقًّا، وأنَّه برَاهِينُ وأدِلَّة،


الشرح

([1])المأمون هو: أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد، ولد سنة 170، وتوفي سنة 318 هـ، أمر بتعريب كتب الأوائل، ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن وبالغ في ذَلِكَ انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 272)، وتاريخ بغداد (10/ 183).