فرَضِيَ اللهُ عنِ الإِمام
مَالِك بنِ أنَس حَيْثُ قَالَ: «أَوَكلَّمَا جاءَنَا رَجل أَجدَلُ مِن رَجل
تَرَكنا مَا جاءَ بهِ جبرِيلُ إِلىَ محَمَّد صلى الله عليه وسلم لجدَلِ هَؤلاَءِ
؟» ([1]).
وكلُّ مِنْ هَؤلاَءِ مَخصُوم بمَا خُصِمَ بهِ الآخَرُ، وَهُوَ مِنْ
وُجوهٍ: أَحَدُها: بيَان أنَّ العقْل لاَ يُحِيلُ ذَلِك.
الثَّاني: أنَّ النُّصُوصَ الوَارِدَة لاَ تَحتَمِل التَّأوِيلَ.
****
هَذَا الإِمام مَالِك بنُ أنَس
إمَام دَارِ الهِجرَة، الَّذِي تُضْرَب إلَيْه آباطُ الإبلِ للأخْذِ مِنْ علْمِه رحمه
الله يُنْكر ويَقُولُ:«أَوَكلَّمَا جاءَنا رَجل أَجدَل مِنْ رَجل» يَعنِي:
أكثَر جدَالاً،«نَتْرُك مَا جاءَ بهِ جبريلُ إِلىَ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم
»، فَهُوَ يُنْكر الاعتِمَاد علَى العقْل؛ لأنَّ العقْلانِيِّينَ يعتَمِدُون
علَى جدَلِيَّات مخْتَلِفَة؛ كمَا قَالَ اللهُ تَعالَى: ﴿إِنَّكُمۡ
لَفِي قَوۡلٖ مُّخۡتَلِفٖ ٨يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ ٩قُتِلَ ٱلۡخَرَّٰصُونَ ١٠﴾ [الذاريات: 8 - 10].
يَعنِي: أنَّ كلَّ وَاحِد مِن هَؤلاَءِ العقْلانِيِّينَ مَرْدُود علَيْه
ومُبطَلٌ قَوْلُهُ بمَا رَدَّ علَى الآخَرِ، فلَمْ يَصِحَّ مِنْ أقْوَالِهِم
شَيْء؛ لأنَّها مُختَلِفَة ومخَالِفَة للكتَاب والسنَّة.
فقَوْلُهم: العقْل يُحِيلُ كذَا وكذَا، هَذِهِ دَعوى لاَ دَلِيلَ
علَيْها، ثُمَّ إنَّ العقْل لاَ يُستَدَلُّ بهِ علَى مَا لاَ يُحِيطُ بهِ ولاَ
يُدْرِكه، فقَوْلُهُم باطِل مِنْ وُجوه: الوَجه الأوَّل مَا ذَكرْنَاهُ.
والوَجه الثَّانِي: أنَّ النُّصُوصَ الوَارِدَة صَرِيحَة، ليْست محْتَمَلَة حَتَّى تُؤَوَّل؛ لأنَّ الَّذِي يَقْبل التَّأوِيل غَيْر الصَّرِيح.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد