فَلَمَّا اعْتقَدُوا انتفاءَ الصِّفاتِ فِي نَفْسِ الأمرِ -وكانَ مَع
ذلكَ لا بُدَّ للنُّصُوصِ مِن مَعْنًى- بَقُوا مُترَدِّدِينَ بينَ الإيمانِ
باللَّفظِ وتَفويضِ المَعنى -وهي الَّتِي يُسمُّونَها طريقةَ السَّلَفِ- وبينَ
صَرْفِ اللَّفظِ إِلَى مَعانٍ بنوعِ تَكلُّفٍ -وهي الَّتِي يُسمُّونَها طريقةَ
الخَلَفِ-
****
السَّمعُ كالسَّمعِ، ولا البَصرُ
كالبَصرِ، ولا العِلْمُ كالعلمِ، ولا القدرةُ كالقُدرةِ، ولا اليدُ كاليدِ، ولا
الوَجهُ كالوجهِ، وهذه فِي قولِه تعالى:﴿لَيۡسَ
كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ ﴾، ثم قال:﴿وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ
ٱلۡبَصِيرُ﴾[الشورى: 11]، أَثْبتَ لِنَفْسِه السَّمعَ والبَصرَ، مع
أنَّهُما مَوجُودانِ فِي الخَلْقِ، كما قال تعالى:﴿إِنَّا خَلَقۡنَا
ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا
بَصِيرًا﴾ [الإنسان: 2]، فالسَّمعُ والبَصرُ مَوجُودانِ فِي
الخَلْقِ، واللهُ جل وعلا قال:﴿وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ
ٱلۡبَصِيرُ﴾فأثبتَ لِنَفْسِه السَّميع والبَصِير، ونَفَى مُشابَهَةَ
الخَلْقِ لَهُ، فقالَ:﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ
شَيۡءٞۖ ﴾، فدَلَّ عَلَى أنَّ السَّمعَ ليسَ كالسَّمعِ، والبَصرَ
ليس كالبصرِ، هذه قاعدةٌ فِي جميعِ صِفاتِ اللهِ، أنَّها ثابِتَةٌ للهِ عَلَى
وَجْهِ لا يُشْبِهُ صِفاتِ المَخلُوقِينَ، ولوْ أنَّ اللهَ هداهُم إِلَى هذا، لاستراحُوا
مِن هذا العَناءِ، وسَلكُوا مَسلَكَ السَّلَفِ، وأَثْبَتُوها عَلَى حَقيقَتها
ومَعناها الَّذِي تدلُّ عليهِ، ونَفَوْا عنها المُشابهَةَ والمُماثلةَ.
لمَّا اعْتقدُوا أنَّهُ ليسَ للهِ صِفةٌ -معَ أنَّ القرآنَ والسُّنَّةَ
جاءَا بإثباتِ الصِّفاتِ للهِ فِي نُصوصٍ كثيرةٍ، ولا يَستطيعونَ نَفْيَها-
انقسَمُوا إِلَى قسمينِ:
القِسم الأول: مَنْ أَوَّلَها، وحَرَّفَها، وهؤلاءِ هُم
المُعَطِّلَةُ.
والقِسم الثَّانِي: مَنْ تَوقَّفَ، وفَوَّضَها، وهُم المُفَوِّضَةُ،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد