هذا العِلْم الَّذِي
مَعهُم تَصرُّفًا حَكِيمًا، ويَضعُونَهُ فِي مواضِعِه اللائقةِ به؛ لأنَّ الحِكمةَ:
وضعُ الشَّيءِ فِي مَوضِعِهِ، والحِكْمَةُ أيضًا: إِتْقانُ الشَّيءِ وإِحْكامُهُ،
وهذه صِفَةُ العُلَماءِ الرَّاسِخينَ فِي العِلْمِ.
هذهِ الأُمَّةُ -بِعُلَمائِها- هي أفضلُ الأُمَمِ، امتازتْ عَلَى سَائِرِ
الأُمَمِ بهذِه المِيزَةِ العظيمةِ: القرآنُ، والسُّنَّةُ، والعلماءُ الرَّبَّانِيُّونَ
الَّذِين لا يُوجَدُ فِي الأُمَمِ السَّابِقَةِ مِثْلُهم.
أمَّا الأُمَمُ الَّتِي لا كِتابَ لها، كالوَثنِيِّينَ والمُلحِدِينَ،
فهؤلاءِ لاَ قِيمةَ لَهُم فِي البَشرِيَّةِ، وأمَّا أهلُ الكتابِ فَحرَّفُوا
كِتابَهُم.
ولو قُوبلَ عِلْمُ هذه الأُمَّةِ بِعِلْمِ غَيرِها مِنَ الأُمَمِ، لوُجِدَ
الفرقُ العظيمُ بينَ عِلْمِ هذه الأُمَّةِ وعِلْمِ الأُمَمِ السَّابِقَةِ؛ لأنَّ
هذا القرآنَ جعلهُ اللهُ عز وجل حاكِمًا عَلَى الكُتُبِ السَّابِقَةِ ومُهَيمنًا
عليها. فهو أعْظَمُها وأَفْضَلُها وأَوسَعُها وأَبقاها إِلَى يَومِ القيامةِ، والكُتُب
السَّابِقَة اندرستْ، وحُرِّفت، وغُيِّرَتْ إِلاَّ هذا القرآنَ، فإنَّهُ مَحفوظٌ
من العَبَثِ والتَّغْيِيرِ، قال تعالى:﴿إِنَّا
نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ﴾[الحجر: 9]، حفظه
الله، لم يُغَيَّرْ، ولم يُبَدَّلْ إِلَى أنْ تَقُومَ الساعة، وهو غَضٌّ طَرِيٌّ،
كما أُنزِلَ عَلَى محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يَتجرَّأُ أحدٌ عَلَى أنْ
يُغيِّرَ فيهِ ولا حَرْفًا واحِدًا، والحمدُ لله، هذا مِن حِفظِ اللهِ لهُ، وهذا
مِن آياتِ اللهِ سبحانه وتعالى، وهذا يَدلُّ عَلَى فَضْلِ هذا الرَّسُولِ وفَضْلِ
هذه الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ.
كيفَ يكونُ عُلَماءُ السَّلَفِ بما فِيهمُ القرونُ المُفضَّلَةُ أنقصُ عِلْمًا من الخَلَفِ؛ كما يقولُهُ أهلُ الضَّلالِ الَّذِينَ يَتنَقَّصُونَ السَّلَفَ؟
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد