ومَا
نفَاهُ قِيَاسُ عقُولِكُم الَّذي أنتُمْ فِيهِ مُختَلِفُونَ مُضْطَرِبُونَ
اختِلاَفًا أكْثَر مِن اخْتِلاَف جَمِيعِ من عَلَى وَجْهِ الأرْضِ. فانْفُوهُ،
وإلَيْه عِنْد التَّنازُعِ فارْجِعُوا، فإنَّه الحقُّ الَّذي تعَبَّدْتُكُم بِهِ.
ومَا كَانَ مذْكُورًا في الكِتَابِ والسُّنَّة ممَّا يخَالِف قيَاسَكُم
هذَا، أو يثْبِت مَا لَمْ تُدْرِكْه عقُولُكم -عَلَى طَرِيقَةِ أكْثَرِهِمْ-
فاعْلَمُوا أنِّي أمْتَحِنُكم بتَنْزِيلِه لا لتَأْخُذُوا الهُدَى مِنْه، لكِنْ لتَجْتَهِدُوا
في تخْرِيجِه عَلَى شوَاذِّ اللُّغَة، ووَحْشِيِّ الألْفَاظِ، وغَرَائِب الكَلاَمِ،
وأنْ تَسكُتُوا عَنْه مفَوِّضِينَ عِلْمَه إلى اللهِ، مَعَ نفْى دَلالَتِهِ عَلَى
شَيْء مِن الصِّفَات، هَذَا حَقِيقَة الأمْرِ عَلَى رَأي هَؤُلاَءِ المُتكلِّمِينَ.
****
أيْ: مَا نفَتْهُ العقُولُ
يُنْفَى؛ لأنَّ العقُولَ هيَ الدَّليلُ عِنْد هَؤُلاَءِ، ومعْنَى هَذَا أنَّنَا
نبْقَى في حِيرَةٍ، وأنَّ اللهَ ترَكَنا، ولَمْ يُبَيِّن لَنَا، فهَذَا فِيهِ أنَّ
اللهَ سبحانه وتعالى ترَكَ عبَادَهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ طَرِيقَ الحَقِّ
وطَرِيقَ الصَّوَابِ.
وإذَا كَانَ اللهُ أحَالَنَا عَلَى العُقُولِ، فهَلِ العُقُولُ متَسَاوِيَة؟
العُقُولُ مخْتَلِفَة مضْطَرِبَة، ولهَذَا تجِدُهُم في اضْطِرَابٍ واخْتِلاَفٍ:
هَذَا يَنْفِي، وهَذَا يُثْبِتُ، وهَذَا يُضَلِّل، وهَذَا يُكَفِّر، وهَذَا يُفَسِّق؛
لأَنَّ عقُولَ البَشَر مخْتَلِفَة، ليْسَتْ عَلَى حدٍّ سَوَاءٍ، ثمَّ هِيَ
قاصِرَةٌ، مَا تدْرِك الغُيُوبَ المُسْتَقْبَلَةَ والمَاضِيَةَ، فهِيَ قاصِرَةٌ
ومضْطَرِبةٌ ومختَلِفَةٌ.
يَلزَمُ عَلَى قَولِهِمْ أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يقُولُ: إنَّمَا أنْزَلْتُ القُرْآنَ لأمْتَحِنَكُم بتَخْرِيجِ هَذِهِ النُّصُوصِ عَلَى عُقُولِكُم: مَنِ الَّذي يُصِيبُ، ومَنِ الَّذي يُخْطِئ؟ فكَأنَّ القُرآنَ امْتِحَان، وليْسَ هُدى، هَذَا يَلْزَم عَلَى قَوْلِهم
الصفحة 1 / 226
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد