×
اَلتَّعْلِيقَاتُ اَلتَّوْضِيحِيَّةُ عَلَى مُقَدِّمَةِ اَلْفَتْوَى اَلْحَمَوِيَّةِ

في حَقِّ اللهِ سبحانه وتعالى أنَّه أنْزَلَ الكِتَابَ ليمْتَحِنَهُم فقَطْ: مَنِ الَّذي يَعْرِفُ الحقَّ بعَقْلِه، ومَنِ الَّذي لاَ يَعْرِفْه؟ فهَذَا يَجِبُ عَلَيْه التَّوقُّفُ والتَّفْويضُ، مَعَ اعْتِقَادِ أنَّه لاَ يدلُّ عَلَى مَعْرِفَة اللهِ، ويفَسِّرُونَ القُرآنَ بالغَرَائِبِ، ويحْمِلُونَه عَلَى المَحَامِلِ البَعِيدَةِ وعَلَى وَحْشِيِّ اللُّغَة المَهْجُورِ، ويَأتُونَ بوُجُوهٍ بعِيدَةٍ يُفسِّرُونَ بها القُرآنَ؛ حتَّى يتَوصَّلُوا بزَعْمِهِم إلى مُرَادِ الله، هَذَا مَعْنَاه التَّعْجِيزُ والتَّضْلِيلُ للنَّاسِ، واللهُ سبحانه وتعالى رَحِيم بعِبَادِهِ، رَؤوفٌ بعِبَادِه، يَعْلَمُ ضَعْفَهم، ويَعْلَمُ قُصورَ أفْهَامِهم؛ ولذَلِكَ لَم يَكِلْهُم إلى عُقُولِهم، وإنَّمَا أمرَهُم باتِّبَاعِ الوَحْي، مَنْ كَانَ يعْلَمُ مِنَ الوَحْي عِلمًا صَحِيحًا، فلْيَأخُذْ بِهِ، ومَنْ كَانَ لا يَعْلَم، فلْيَسْأَلْ أهْلَ العِلْم، ولا يتَخبَّط في أمْرٍ لا يُحْسِنُه. والآنَ في وَقْتِنا ظَهَرَتِ الأفْكَارُ الغَرْبِيَّةُ، وحُرِّيةُ الرَّأي -كمَا يقُولُونَ-، والرَّأيُ والرَّأيُ الآخَرُ، يعْنِي: كأنَّ مَا عِنْدنَا وَحْيٌ، ولاَ عِنْدَنَا شَرْعٌ، وإنَّما هِيَ آرَاءٌ، هَذَا رَأيِي، وهَذَا رَأيُك، أنْتَ لا تَحْجُر عليَّ، وأنَا لا أحْجَرُ عَلَيْكَ، وكلٌّ يتَّبعُ رَأيَه، هَذَا هو الضَّلالُ -والعِيَاذُ باللهِ-؛ أنَا وأنْتَ وفُلاَن نَرجِعُ إلى كِتَابِ اللهِ، نَعرِضُ رَأيِي ورَأيَك ورَأيَ فُلانٍ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فَمَا شَهِدَ لَهُ الوَحْي، فهُوَ الصَّحِيحُ، ومَا خَالفَ الوَحيَ، فهُو البَاطلُ، ويَجبُ الرُّجوعُ عَنْه، قَالَ تَعالَى:﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا [النساء: 59]، خَيْرٌ لَكُم مِنَ التَّخبُّط وأحْسَن مَآلاً وعَاقِبَة لَكُم؛ لأنَّ الوَحْي مَعْصُوم مِنَ الله سبحانه وتعالى، أمَّا آراؤُكُم وأفْكَارُكُم فليْسَتْ معْصُومَة، بلْ هِيَ عُرضَةٌ للخَطَأ والنَّقْصِ.


الشرح