لَئِنْ
كَانَ مَا يقُولُه هَؤُلاَءِ المتَكلِّمُونَ المتَكلِّفُونَ هو الاعْتِقَادُ
الوَاجِبُ، وهُمْ مع ذَلِكَ أُحِيلُوا في مَعرِفَتِه عَلَى مجَرَّد عقُولِهِم،
وأنْ يدْفَعُوا بمُقْتَضَى قِيَاسِ عقُولِهِمْ مَا دلَّ عَلَيْه الكِتَاب
والسُّنَّة نصًّا أو ظَاهِرًا، لقَدْ كَانَ ترْكُ النَّاسِ بلا كِتَابِ ولا سُنَّة
أهْدَى لَهُمْ وأنْفَعُ عَلَى هَذَا التَّقدِيرِ، بلْ كَانَ وجُودُ الكِتَاب
والسُّنَّة ضَرَرًا محْضًا في أصْلِ الدِّينِ
****
إذَا كَانَ الحقُّ ما يقُولُه
هَؤُلاَءِ الجهْمِيَّة وأفْرَاخُهمْ: أنَّ اللهَ ليْسَ لَهُ أسْمَاء ولا صِفَات،
وإنَّما هوَ ذاتٌ مجَرَّدَة -كمَا يقُولُونَ-، والكِتَاب والسُّنَّة ممْلُوءَانِ
من أسْمَاءِ الله وصِفَاتِه، لقَدْ كَانَ ترْكُ النَّاسِ بلاَ كِتَاب ولاَ سُنَّة
أحْسَن لهُمْ؛ لأنَّ الرُّسُلَ ما جَاءُوهُم بالهِدَايَةِ -عَلَى هَذَا
التَّقدِير-، وأنَّ الهِدَايَة هيَ بأقْوَالِ هَؤُلاَءِ. إذًا ما فَائِدَة الكُتُب
الإلَهِيَّة؟ ومَا فَائِدَة إرْسَالِ الرُّسُل؟ وإنَّمَا يتْرُكُونَ النَّاسَ عَلَى
عُقُولِهِمْ وأفْكَارِهِمْ.
هذَا مِنْ لوَازِم مذْهَبِهِمْ: أنَّه يَلزَمُ أنْ يكُونَ العَالَم ليْسَ
بحَاجَة إلى الرُّسُل والكُتُب؛ لأنَّ عنْدَهُم ما يكْفِيهِمْ منْ عُقُولِهِمْ
وأفْكَارِهِمْ.
بلْ يَكُونُ وجُودُ الكِتَابِ والسُّنَّة ضَرَرًا محْضًا عَلَى النَّاسِ؛ لأنَّهُما تضْلِيل -عَلَى زَعْم هَؤُلاَءِ-؛ لأنَّهُما لم يُصرِّحَا بالحَقِّ في العَقِيدَة، فيَكُونُ الكِتَاب والسُّنَّة جَاءَا للتَّضْلِيلِ، وأنَّ الحقَّ هوَ في اتِّباعِ العُقُولِ والأفْكَارِ، ومَا يقُولُه أصْحَابُ الجَدَل وعِلْم الكَلاَمِ والمَنْطِق.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد