وكانُوا فِي أوَّلِ أمْرِهِمْ لَمُ ينْحَرِفُوا، فهُمْ عبادٌ، لكنَّهُم
يشُقُّونَ علَى أنْفُسهم، كالجنَيدِ، وبشْرٍ الحَافِي، وإبرَاهِيم بنِ أدْهَم،
والفُضَيْل بنِ عيَاض، هَؤلاَءِ مُتَعبدَةٌ وعلَمَاءُ، ومُتَمَسكونَ بالعقِيدَة
الصَّحِيحَة، لكن فِيمَا بعد تَطوَّر التَّصوُّف، فدَخَلَتْه البدَع، ودَخَلَه
تَصوُّف الفَلاسفَة مِنَ الهُنُودِ وغَيْرِهم، ودَخَلتْه القُبورِيَّة، بلْ
تَطوَّر إِلىَ وَحْدَةِ الوُجودِ -والعيَاذُ باللهِ- كمَذْهَب ابنِ عرَبي، وابنِ
سبعينَ وغَيْرِهم مِنْ غُلاَةِ الصُّوفِيَّة. وهَكذَا الخُرُوج عنِ الكتَاب
والسنَّة وإنْ كانَ فِي أوَّلِه عنْ مَقصِد صَحِيحٍ، وعنْ حُب للخَيْر إلاَّ أنَّه
ينْحَرِفُ بأصْحَابه، أمَّا الَّذِينَ تمَسكوا بالكتَاب والسنة، فإنَّهُم سلِمُوا
مِنْ هَذَا، أمَّا التَّصوُّف فلكوْنِه خَارِجا عنِ الكتَاب والسنَّة آلَ
بأصْحَابه إِلىَ الإلْحَادِ. والعياذُ باللهِ..
فهَذَا ممَّا يدُلُّ علَى وجوب لُزُومِ الكتَاب والسنَّة فِي العبادَة وفي غَيْرِهَا، والكتَاب والسنَّة فيهِمَا الخَيْر، ولَمَّا قَالَ جمَاعة مِنَ الصَّحَابة فِي عهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُم: أنَا أصُومُ ولاَ أفْطِر، قَالَ الثَّانِي: أنَا أصَلِّي ولاَ أنَامُ، قَالَ الثَّالِثُ: أنَا لاَ أتَزَوَّج النِّساءَ. فلَمَّا علِمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بمقَالَتِهم غَضِب، وخَطَب، وقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا، لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ([1])، فالاعتِدَالُ والاستِقَامَةُ ولزُومُ الكتَاب والسنَّة هُمَا الخَيْر عاجلاً وآجلاً.
([1])أخرجه: البخاري رقم (5036)، ومسلم رقم (1401).
الصفحة 2 / 226
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد