×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الثاني

 وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ ظَنَّ أَنَّ تَوَسُّلَ الصَّحَابَةِ بِهِ كَانَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يُقْسِمُونَ بِهِ وَيَسْأَلُونَ بِهِ، فَظَنَّ هَذَا مَشْرُوعًا مُطْلَقًا لِكُلِّ أَحَدٍ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ، وَظَنُّوا أَنَّ هَذَا مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الأَْنْبِيَاءِ وَالْمَلاَئِكَةِ، بَلْ وَفِي الصَّالِحِينَ، وَفِيمَنْ يُظَنُّ فِيهِم الصَّلاَحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا فِي نَفْسِ الأَْمْرِ.

وَلَيْسَ فِي الأَْحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يُعْتَمَدُ عليها فِي الأَْحَادِيثِ - لاَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلاَ كُتُبِ السُّنَنِ، وَلاَ الْمَسَانِيدِ الْمُعْتَمَدَةِ كَمُسْنَدِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ - وَإِنَّمَا يُوجَدُ فِي الْكُتُبِ الَّتِي عُرِفَ أَنَّ فِيهَا كَثِيرًا مِنَ الأَْحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ الْمَكْذُوبَةِ الَّتِي يَخْتَلِقُهَا الْكَذَّابُونَ، بِخِلاَفِ مَنْ قَدْ يَغْلَطُ فِي الْحَدِيثِ وَلاَ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، فَإِنَّ هَؤُلاَءِ تُوجَدُ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ فِي السُّنَنِ وَمُسْنَدِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَنَحْوِهِ؛ بِخِلاَفِ مَنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فَإِنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَرْوِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ.

وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلاَءِ الهمذاني وَالشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هَلْ فِي الْمُسْنَدِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ؟

فَأَنْكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلاَءِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْنَدِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَأَثْبَتَ ذَلِكَ أَبُو الْفَرَجِ وَبَيَّنَ أَنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ قَدْ عُلِمَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ؛ وَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ فِي اصْطِلاَحِ أَبِي الْفَرَجِ هُوَ الَّذِي قَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُحَدِّثُ بِهِ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْكَذِبَ، بَلْ غَلِطَ فِيهِ، وَلِهَذَا رَوَى فِي كِتَابِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ.

وَقَدْ نَازَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ وَقَالُوا: إنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ، بَلْ بَيَّنُوا ثُبُوتَ بَعْضِ ذَلِكَ.


الشرح