وَأَمَّا الشَّافِعُ
فَسَائِلٌ لاَ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَظِيمًا؛ وَفِي
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ بَرِيرَةَ
أَنْ تُمْسِكَ زَوْجَهَا وَلاَ تُفَارِقَهُ لَمَّا أُعْتِقَتْ، وَخَيَّرَهَا
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، وَكَانَ زَوْجُهَا
يُحِبُّهَا فَجَعَلَ يَبْكِي، فَسَأَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ
تُمْسِكَهُ فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ: «لاَ، إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ» ([1]). وَإِنَّمَا
قَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي؟ وَقَالَ: «إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ»، لِمَا اسْتَقَرَّ
عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ طَاعَةَ أَمْرِهِ وَاجِبَةٌ، بِخِلاَفِ شَفَاعَتِهِ
فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ قَبُولُ شَفَاعَتِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَلُمْهَا النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم عَلَى تَرْكِ قَبُولِ شَفَاعَتِهِ، فَشَفَاعَةُ غَيْرِهِ مِنَ
الْخَلْقِ أَوْلَى أَلاَّ يَجِبَ قَبُولُهَا.
وَالْخَالِقُ
جَلَّ جَلاَلُهُ أَمْرُهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَافِعًا إلَى
مَخْلُوقٍ؛ بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَى شَأْنًا مِنْ أَنْ يَشْفَعَ أَحَدٌ
عِنْدَهُ إلاَّ بِإِذْنِهِ.
****
الشرح
قوله: «وَأَمَّا الشَّافِعُ فَسَائِلٌ لاَ تَجِبُ
طَاعَتُهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَظِيمًا». أما الشفاعة فهي فضل ليست
واجبة، وليست أمرًا شرعيًّا، إنما هي واسطة وفضل من الشافع لجاهه، قال صلى الله
عليه وسلم: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا،
وَلْيَقْضِ اللهُ عز وجل عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاء» ([2]).
فالشافع يتقدم بالشفاعة التي ليس فيها معصية أو إخلال بالشرع، كذلك المعروف، ومساعدة المشفوع له، وهذا من التعاون على البر والتقوى، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، قال تعالى: ﴿مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ﴾ [النساء: 85]، فإذا كانت الشفاعة حسنة، فإن الشافع يؤجر
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1432)، ومسلم رقم (2627).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد